الأمر الثّاني: ذكروا لوجوب الإفراد والتذكير في العاري عن اللام والإضافة عللا:
إحداها: أنّ الغرض من قولنا: زيد أكرم من عمرو، إنّما هو تفضيل كرم زيد على عمرو فهو في المعنى إخبار عن المصدر والمصدر لا يؤنث ولا يثنّى ولا يجمع (١).
ثانيها: أنّه يشبه «أفعل» المتعجّب به لفظا، ومعنى فلم يجز فيه ما لم يجز في ذلك.
ثالثها: أنّ «من» المذكورة بعد «أفعل» هي من تمامه، فهي كجزء منه، والاسم لا يثنّى جزء منه ولا يجمع، ولا يؤنث، وأقول: إنّني لم أتحقّق من هذه العلل الثلاث شيئا.
الأمر الثّالث: قد عرف أنّ تقديم «من» ومجرورها على «أفعل» واجب في نحو: ممّن أنت أفضل؟ وممّ قوامك أعدل؟
قال الشيخ (٢): وينبغي أن ينبه على سبقه أيضا ما كان «أفعل» خبرا عنه، نحو ما مثل به، ونحو: ممن كان زيد أفضل؟ وممّن ظننت زيدا أفضل؟ لئلا يتوهم أنه يجوز توسيطهما بين المخبر عنه والخبر، وهو لا يجوز فلا يقال: زيد ممن أفضل؟
ولا: كان زيد ممّن أفضل؟ ولا: ظننت زيدا ممّن أفضل؟ وقد عرفت أنّ الفصل بـ «لو» وما اتّصل بها قد وقع بين أفعل و «من».
قال الشيخ (٣): وقد جاء الفصل بالمنادى قال جرير:
٢١١٧ - لم نلق أخبث يا فرزدق منكم ... ليلا وأخبث بالنّهار نهارا (٤)
الأمر الرابع: ناقش الشيخ المصنف في قوله: ولا يقال: الخبز أغذى من الماء، -
(١) ينظر: التذييل والتكميل (٤/ ٧٠٧)، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٣ / ب). (٢) التذييل والتكميل (٤/ ٧١٠). (٣) ينظر: المرجع السابق (٤/ ٧١١)، وهذا من الفصل بين «أفعل» و «من» بغير المعمول. (٤) هذا البيت من الكامل وقائله هو جرير بن عطية الخطفي الشاعر المشهور يهجو الفرزدق، وهو في: ديوانه (١/ ٥٢٢)، وفي الدرر (٢/ ١٣٨)، وفي الخزانة (٨/ ٢٦٣) بلفظ «لم ألق». والشاهد فيه قوله: «أخبث» فإنّه «أفعل» تفضيل وقد فصل بينه وبين «من» الجارة للمفضول بالمنادى وهو في قوله: «يا فرزدق». وفي البيت شاهد آخر وهو: حذف «من» من «أفعل» التفضيل لتقدّم ما يدل عليها أعني في قوله: وأخبث في النهار، فإنّ الأصل: وأخبث منكم فحذف «من» لدلالة «من» عليه في قوله: لم ألق أخبث يا فرزدق منكم. وينظر الشاهد أيضا في منهج السالك (ص ٤٠٩)، والتذييل والتكميل (٤/ ٧١١)، والهمع (٢/ ١٠٤)، وشرح التسهيل للمرادي (١٩٣ / ب).