وضع الرجل موضع (ذا) لما فهم منه ما أرادوه من التقريب (١). قال: وإذا أرادوا معنى الذم أدخلوا عليها (لا) النافية؛ لأنّ نفي المدح ذمّ (٢).
ومنها: أنّ ابن عصفور استدلّ على أنّ (حبّذا) جعل بمنزلة لفظ واحد، فكانت مبتدأ، وإن كان أصلها الفعل والفاعل (٣) بشيئين:
أولهما: أنّ (ذا) لا تتغير بحسب المشار إليه، فكما يقال: حبذا زيد، يقال:
حبذا الزيدان، وحبذا الزيدون، وحبّذا الهندات (٤)، وقد قال الشاعر:
٢٠٥٩ - وحبّذا نفحات من يمانية ... تأتيك من قبل الرّيّان أحيانا (٥)
ثانيهما: أنّهم لا يفصلون بين (حبّ) و (ذا) بشيء، لا يقال: حبّ اليوم ذا. فدلّ هذان الأمران على أنّهم أخرجوا الجملة المركبة، من (حبّ) و (ذا) عن أصلها، وجعلوها بمنزلة لفظ واحد. انتهى.
وقد عرفت [٣/ ١١٠] ما استدلّ به المصنف على أن (حبّذا) - من قولنا:
حبّذا زيد - فعل وفاعل، لم يحصل فيهما تغيير، وكفى به، وأما ما استدلّ به ابن عصفور، فالجواب: أنّ (حبذا) جار مجرى المثل، وأنّ الأمثال وما جرى مجراها لا يغيّران، وأما قول ابن عصفور: إنّ (حبّذا) مبتدأ، مخبر عنه بما بعده، والتقدير:
المحبوب زيد، فقد تقدم نقل المصنف عن ابن خروف أنّ (حبّ) فعل، و (ذا) فاعله و (زيد) مبتدأ، وخبره (حبذا)، وأنّ ابن خروف قال: وهذا قول سيبويه، وأخطأ من زعم غير ذلك (٦). ونصّ سيبويه هو أن قال: وزعم الخليل أنّ (حبذا) -
(١) و (٢) ينظر: شرح الجمل الصغيرة لابن عصفور، ورقة (٤٩). (٣) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (٤/ ٥٢) رسالة. (٤) ينظر: المقرب (١/ ٧٠)، وشرح الألفية للشاطبي (٤/ ٥٥، ٥٦). (٥) البيت من البسيط، وقائله جرير، من قصيدة في هجاء الأخطل. اللغة: نفحات: جمع نفحة، وهي الدفعة التي تندفع من الريح، الشاهد في البيت: قوله: «حبذا نفحات»؛ حيث لزمت (ذا) الإفراد والتذكير مع أن المخصوص جمع، وهو (نفحات). ينظر الشاهد في: ديوان جرير (١/ ١٦٥)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (١/ ٦٧)، واللسان «حبب»، والهمع (٢/ ٨٨)، والدرر (٢/ ١٥)، وفي التذييل والتكميل (٤/ ٥٦٩) بيان الآراء في علة إفراد اسم الإشارة وتذكيره في (حبذا) وإن اختلف المخصوص بالتثنية والجمع والتأنيث. (٦) سبق.