أَيَحْسَبُ الأول، أي: فليحسبنا قادرين على أن نسوّي بنانه (١).
الضرب الثاني: ما يجب فيه الإضمار، وذلك في صور:
إحداها: ما جرت الحال فيه مثلا كقولهم: «حظيّين بنات صلفين كنّات»(٢) بإضمار (عرفتم) أو نحو ذلك.
الثانية: الحال التي بيّنت ازدياد ثمن شيئا فشيئا نحو: «اشتريته أو أخذته بدرهم فصاعدا» أي: فذهب الثمن صاعدا (٣)، وهذا الكلام إنما يكون جوابا لمن قال:«بكم اشتريت هذا المتاع؟» فأخبر أن أدناه مشترى بدرهم والثمن حاله الزيادة بعد ذلك (٤).
وحاصل الأمر: أنه لا يقال في مشترى واحد، إنما يقال في أشياء متعددة مختلفة الأثمان أدون ما فيها بدرهم وما عداه أكثر من درهم.
الثالثة: الحال التي بينت غير الازدياد شيئا فشيئا نحو: «تصدّق بدينار فسافلا» أي: فانحط المتصدق به سافلا (٥)، وهذا الكلام أيضا إنما يقال: إذا كان المتصدق به متعددا مختلف المقدار، أعلاه دينار وما عداه أقل منه ثم أقل، عكس ما قيل في الصورة الأولى.
وشرط الحال في هاتين الصورتين: أن يكون مصحوبا بـ (الفاء) أو بـ (ثمّ)، كما نبّه عليه في المتن، والفاء أكثر في الكلام؛ نصّ على ذلك سيبويه (٦)، وعللّ ذلك بأنّ (ثم) للمهلة - ولا معنى للمهلة هنا - وأمّا الواو فلا تدخل في هذا الكلام لعدم إفادتها المعنى المراد. -
(١) ينظر: التذييل (٣/ ٨٠٣)، وفي معاني الفراء (٣/ ٢٠٨): وقوله: (قادرين) نصبت على الخروج من (نجمع) كأنك قلت في الكلام: أتحسب أن لن نقوى عليك، بلى قادرين على أقوى منك، يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا. (٢) يضرب هذا المثل في أمر يعسر طلب بعضه ويتيسر وجود بعضه، والحظيّ: الذي له حظوة ومكانة عند صاحبه، والصّلف: ضده، وأصله: قلة الخير، ويقال: امرأة صلفة، إذا لم تحظ عند زوجها وكنّات: جمع كنّة، وهي امرأة الابن وامرأة الأخ أيضا. ونصب «بنات» و «صلفين» على إضمار فعل، كأنه قال: وجدوا أو أصبحوا. ينظر: مجمع الأمثال للميداني (١/ ٣٧٢). (٣) ينظر: كتاب سيبويه (١/ ٢٩٠)، والمقتضب (٣/ ٢٥٥). (٤) ينظر: الارتشاف (٢/ ٣٦١). (٥) ينظر: شرح المصنف (٢/ ٣٥١). (٦) ينظر: الكتاب (١/ ٢٩٠، ٢٩١).