والغرض بتثنية هذه المصادر التكثير بمعنى حنانيك تحنّنا بعد تحنّن، ثم فسر ذلك بأن قال: أي كلما كنت في رحمة منك فلا تنقطع عنا، ولكن موصولة بأخرى، وفيه نظر، قال: سبحان الله وحنانيه، فكأنه قال: سبحان الله واسترحامه، أي أسبح الله وأسترحمه استرحاما موصولا بمثله، وإذا قال:
حذاريك فكأنه قال: ليكن منك حذر بعد حذر، وإذا قال: فعلته دواليك، فكأنه قال: مداولتك، وهو مصدر تشبيهي أي نتداوله مرة بعد أخرى مداولة مثل دواليك، أي مثل مداولتك، وإذا قال: هذاذيك فكأنه قال: هذا بعد هذا.
وإذا قال لبيك وسعديك كأنه قال: إجابة بعد إجابة أي كلما أجبتك في أمر، فإني في الآخر مجيب، قال: وإنما استعملتا في هذا المعنى وإن كان لبيك من قولهم: ألبّ على الأمر، إذا داوم عليه، ولم يفارقه. وسعديك من قولهم:
أسعد فلان فلانا على مراده، وساعده عليه، ولا يقال: ألب ولا أسعد بمعنى أجاب؛ لأن الإلباب والمساعدة دنوّ منه ومتابعة، وكل من دنا منك وتابعك على ما تريده فقد أجابك إلى ما تريد منه (١)، ثم قال: ولكون هذه المصادر المثناة قد دخلها بالتثنية في حال انتصابها على أنها مصادر معنى، ليس للتثنية بحق الأصالة، وهو الكثير - لم يتصرفوا فيها، ومما يدل على ذلك أنهم لما أفردوا حنانا لم يمنعوه التصرف، قال الله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا (٢)، وقال الشاعر:
١٤٨٧ - فقالت حنان ما أتى بك هاهنا (٣)
ثم قال: فأما حنانيك وهذاذيك، وحذاريك، فإنها مضافة إلى الفاعل، وأما -
(١) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل (٣/ ٢١٣ - ٢١٦)، والهمع (١/ ١٨٩، ١٩٠). (٢) سورة مريم: ١٣. (٣) البيت للمنذر بن أدهم الكلبي، وهو صدر بيت من الطويل، وعجزة: أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف وهو في: الكتاب (١/ ٣٢٠)، والمقتضب (٣/ ٢٢٥)، والكامل (٢/ ١٩٩)، وأمالي الزجاجي (١٣١)، وابن يعيش (١/ ١١٨)، وشرح الجمل لابن الضائع، والتذييل (٣/ ٢١١)، والعيني (١/ ٥٣٩)، والتصريح (١/ ١٧٧)، والهمع (١/ ١٨٩)، والكافي شرح الهادي (٣٨٦)، والأشموني (١/ ٢٢١). والشاهد في قوله: (حنان)؛ حيث رفع بتقدير مبتدأ ولم ينصب؛ لأنه مفرد. وقيل: إن أصله «حننا عليك حنانا» ثم حذف الفعل، ثم رفع المصدر.