فأشار باللفظي إلى قصد الإيجاز كقوله تعالى: وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ (١)، وإلى موافقة المسبوق السابق كقول بعض الفصحاء: من طابت سريرته حمدت سيرته، وإلى إصلاح النظم كقول الأعشى:
١٢٥٥ - علّقتها عرضا وعلّقت رجلا ... غيري وعلّق أخرى ذلك الرّجل (٢)
وكقول عنترة:
١٢٥٦ - وإذا شربت فإنّني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم (٣)
وأشار بالمعنوي إلى كون الفاعل معلوما كقوله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٤)، وكقوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ (٥) ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:
«نصرت بالرّعب مسيرة شهر»(٦)، «ونصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور»(٧)، وإلى كونه مجهولا كقول الرجل: نبئت بكذا إذا لم يعرف من نبأه، ومنه ما يرد من قول بعض الرواة: روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كيت وكيت» وإلى كونه لا يتعلق، ويتعقبه مراد المتكلم كقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (٨)، وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (٩)، إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا (١٠)، ومنه قول الشاعر: -
- وشرح الجمل لابن عصفور (١/ ٥٣٤). (١) سورة الحج: ٦٠. (٢) البيت من البسيط وهو في التذييل (٢/ ١١٨٢)، والعيني (٢/ ٥٠٤)، وأوضح المسالك (١/ ١٤٢)، والتصريح (١/ ٢٨٦)، وحاشية الخضري (١/ ١٦٧)، وديوان الأعشى (ص ٤٣). والشاهد قوله: «علقتها ... وعلقت ... وعلق»؛ حيث بنى الفعل «علق» في المواضع الثلاثة للمفعول وحذف الفاعل لأجل إصلاح النظم. (٣) البيت من الكامل وهو في التذييل (٢/ ١١٨٢) برواية «فإذا» مكان «إذا» وهي موافقة لرواية الديوان، وانظر أيضا: الهمع (١/ ١٦٢)، والدرر (١/ ١٤٣)، وديوان عنترة (ص ١٢٢) طبعة بيروت. والشاهد قوله: «لم يكلم»؛ حيث حذف الفاعل لغرض لفظي وهو إصلاح النظم كما بين الشارح. (٤) سورة النساء: ٢٨. (٥) سورة الحج: ٧٣. (٦) حديث شريف أخرجه البخاري في باب التيمم. (٧) حديث شريف أخرجه البخاري في باب الاستسقاء. (٨) سورة البقرة: ١٩٦. (٩) سورة النساء: ٨٦. (١٠) سورة المجادلة: ١١.