بقاء المحكي وحذف القول نظير بقاء المفعول وحذف الفعل، وذلك في الكلام [٢/ ٢١٧] كثير فلحق به النظير. وأيضا قد جاء بعد النداء وشبهه مما نحن بصدده القول مصرحا به؛ فدل ذلك على صحة التقدير عند عدم التصريح، فمن مواضع التقدير: قوله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا (١) وقوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (٢) وقوله تعالى: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٣) وقوله تعالى:
وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (٤) ومنها قول الراجز أنشده الفراء:
١١٧٥ - إني سأبدي لك مما أبدي ... لي شجنان شجن في نجد
وشجن لي في بلاد الهند (٥)
ومن مواضع التصريح: قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ (٦) وقوله تعالى: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي (٧) وقوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (٨) انتهى (٩) وكلام ابن عصفور في المقرب يوافق قول الكوفيين فإنه قال: الجملة لا تحكى إلا بعد القول أو فعل في معناه نحو قولك:
قرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * وأورد في هذا الفصل البيت المشهور وهو:
١١٧٦ - تنادوا بالرّحيل غدا (١٠)
فلولا أن المصنف جعل تقدير القول مذهب البصريين لقلت: إن مذهبهم هو -
(١) سورة هود: ٤٢. (٢) سورة إبراهيم: ١٣. (٣) سورة يونس: ٢٢. (٤) سورة الزخرف: ٧٧. (٥) لم يعلم قائله ولم يعزه الفراء لراجز معين بل اكتفى بقوله: أنشدني الكسائي. الرجز في معاني القرآن للفراء (١/ ٨٠). وينظر التذييل (٢/ ١٠٨٤، ١٠٨٥)، وشرح التسهيل للمصنف (٨٠ / ب). والشاهد قوله: (سأبدي ... لي شجنان) حيث جعل جملة (لي شجنان) مقولة لقول محذوف تقديره «أقول» وقد جعل الكوفيون الجملة معمولة (لأبدي) لأنهم يلحقون بالقول ما في معناه. (٦) سورة الأعراف: ٤٨. (٧) سورة هود: ٤٥. (٨) سورة مريم: ٣، ٤. (٩) شرح التسهيل للمصنف (٢/ ٩٧). (١٠) تقدم، وانظر المقرب (١/ ٢٩٣).