وأما العمل مع نقض النفي يعني إذا أوجب الخبر بإلا فقال المصنف: «روي عن يونس من غير طريق سيبويه إعمال ما في الخبر الموجب بإلا (٢) واستشهد على ذلك بعض النحويين بقول الشاعر:
٨٠٣ - وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (٣)
[٢/ ٥٨] وتكلف في توجيه هذا البيت بأن قيل:
منجنونا منصوب نصب المصدر الذي يستغنى به الدهر عن الخبر المبتدأ المقصود حصر خبره فكأنه قال: وما
الدهر إلا يدور دوران منجنون أي دولاب ثم حذف الفعل على حد حذف تسير إذا قيل: ما أنت إلا سير البريد ثم حذف المصدر وهو دوران وأقيم المضاف إليه مقامه وهو منجنون.
وأما إلا معذبا فمثل إلا تعذيبا مفعل من فعل بمنزلة تفعيل ومنه قوله تعالى:
وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ (٤)، وهذا عندي (٥) تكلف؛ فالأولى أن تجعل منجنونا -
(١) شرح الجمل لابن عصفور (١/ ٥٨). (٢) انظر الهمع (١/ ١٢٣) والتذييل والتكميل (٤/ ٢٧٣) وانظر كتاب (يونس البصري: حياته وآثاره وآراؤه ص ٢١٩) قال مؤلفه دكتور/ أحمد مكي الأنصاري: ونقل عن يونس أنه يجوز إعمالها مع انتقاض نفيها بإلا وأنشد في ذلك: وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (٣) البيت من بحر الطويل وهو من الحكم والمواعظ لشاعر مجهول. والمنجنون: الدولاب التي يستقى عليها والميم والنون في أوله أصل وجمعه مناجين. ومعنى البيت: أن الدهر كالدولاب دائم الدوران على الناس فمرة لهذا ومرة لذلك ولا شيء دائم والإنسان الذي يعيش فيه له حاجة يسعى إليها أبدا ويتعذب في سبيلها. والشاهد فيه: في الشطرين حيث أعملت ما عمل ليس مع انتقاض النفي بإلا وأجازه ابن مالك تابعا ليونس والشلوبين، وقد رده الجمهور وأولوه بما هو مذكور في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (١/ ٣٧٤) والتذييل والتكميل (٤/ ٢٧٣) ومعجم الشواهد (ص ٢٨). (٤) سورة سبأ: ١٩. وقال ابن عصفور بعد أن أنشد البيت: وما الدهر ... إلخ: «يتخرج على أن يكون معذب مصدر كممزق وكذلك منجنون التقدير: وما الدهر إلا دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا تعذيبا فيكون من باب ما أنت إلا سيرا». (المقرب: ١/ ١٠٣). (٥) الكلام لابن مالك في شرح التسهيل.