آتى هؤلاء القوم فأكلمهم. قال: إني أخاف عليك. قلت: كلا. قال: فخرجت آتيهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن فأتيتهم وهم مجتمعون فسلمت، فقالوا: مرحبًا [بك](١) يا ابن عباس، فما هذه الحلة؟ قلت: ما تعيبون عليّ، لقد رأيت على رسول اللَّه أحسن ما يكون من الحلل ونزلت:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}(٢) قالوا: فما جاء بك؟ قلت: أتيتكم من عند صحابة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار لأبلغكم ما يقولون وتخبرون بما تقولون، فعليهم نزل القرآن وهم [أعلم](٣) بالوحي منكم وفيهم أنزل وليس فيكم منهم أحد فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشًا؛ فإن اللَّه يقول:{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}(٤) قال ابن عباس: وأتيت قومًا لم أر قط أشد اجتهادًا منهم، مسهمة وجوههم من السهر كأن أيديهم وركبهم ثفن، عليهم قمص مرحضة فقال بعضهم: لنكلمنه ولننظرن ما يقول. قلت: أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصهره والمهاجرين والأنصار قالوا: ثلاثًا: إحداهن أنه حكّم الرجال في أمر اللَّه واللَّه يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}(٥) وما للرجال وما للحكم؟ فقلت: هذا واحدة. قالوا: وأما الأخرى فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فلئن كان الذي قاتل كفارًا لقد حل سبيهم وغنيمتهم، وإن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم. قلت: هذه ثنتان، فما الثالثة؟ قالوا: إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قلت: أعندكم سوى هذا؟ قالوا: حسبنا هذا. فقلت لهم: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب اللَّه وسنة نبيه ما يرد قولكم أترضون؟ قالوا: نعم فقلت: أما قولكم حكّم الرجال فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب أو نحوها من الصيد فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}(٦)
(١) من "هـ". (٢) الأعراف: ٣٢. (٣) في "الأصل": أعلى. والمثبت من "هـ". (٤) الزخرف: ٥٨. (٥) الأنعام: ٥٧. (٦) المائدة: ٩٥.