واعتل يحيى فى الحبس، فلما أشفى (١) دعا برقعة، فكتب فى عنوانها: ينفّذ أمير المؤمنين أبقاه الله عهد مولاه يحيى بن خالد، وفيها مكتوب:
«بسم الله الرحمن الرحيم: قد تقدّم الخصم إلى موقف الفصل، وأنت على الأثر، والله حكم عدل. وستقدم فتعلم» فلما ثقل (٢) قال للسّجان: هذا عهدى توصله إلى أمير المؤمنين، فإنه ولىّ نعمتى، وأحقّ من نفّذ وصيتى، فلما مات يحيى أوصل السجان عهده إلى الرشيد.
قال سهل بن هرون: وأنا عند الرشيد إذ وصلت الرقعة إليه فلما قرأها جعل يكتب فى أسفلها، ولا أدرى لمن الرقعة، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ألا أكفيك؟
قال: كلا، إنى أخاف عادة الراحة أن يتقوى سلطان العجز، فيحكم بالغفلة، ويقضى بالبلادة، ووقّع فيها:«الحكم الذى رضيت به فى الآخرة لك، هو أعدى الخصوم عليك، وهو من لا ينقض حكمه، ولا يردّ قضاؤه» قال: ثم رمى الصكّ إلىّ، فلما رأيته علمت أنه ليحيى، وأن الرشيد أراد أن يؤثر الجواب عنه.