وجه الاستدلال: في الحديث أن الكافر إذا أسلم كَتَب الله له في الإسلام كل حسنة عملها في الشِرك (١). ولا شك أن النذر من أحسن الأعمال.
الدليل الرابع: عن طاوس، في رجل نذر في الجاهلية، ثم أسلم؟ قال: «يوفي نذره» (٢).
الترجيح: الذي يترجح في هذه المسألة -والله أعلم- هو القول الثاني: أن من نذر حال كفره ثم أسلم أن نذره ينعقد ويجب عليه الوفاء بما نذره؛ وذلك لصحة ما استدلوا به، ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر - رضي الله عنه - بالوفاء بنذره؛ ولضعف ما استدل به أصحاب القول الأول, وبيان ذلك كما يلي:
أولا: أما استدلالهم بالآيات فيجاب عنه أنه لا حجة لهم فها؛ لأن ما ذُكِر في الآيات إنما نزل فيمن مات كافرا بنص الآيات، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} (٣) (٤)، ونحن كلامنا عن من نذر في الجاهلية ثم أسلم.
ثانيا: وأما تأويلهم لحديث عمر - رضي الله عنه - على ما ذكروه, فيجاب عنه من وجهين:
الأول: أما قولهم في قوله: «نذرت في الجاهلية»: أن مراده أيام الجاهلية بعد الإسلام؛ لأنه لم يقُل وأنا كافر, فيجاب عنه: أن الرواية قد جاءت صريحة في كون نذر عمر - رضي الله عنه - كان قبل إسلامه, وهو ما جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: «أن عمر نذر أن يعتكف في الشِرْك ويَصوم, فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد إسلامه, فقال: أوف بنذرك» (٥).
قال القسطلاني: "فهذا صريح في أن نذره كان قبل إسلامه في الجاهلية" (٦).
الثاني: وأما قولهم -في قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه -: «أوف بنذرك» -: محمول على الاستحباب لا على الوجوب, فيجاب عنه: أن أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحمل على الوجوب حتى يأتي ما يصرف هذا الوجوب إلى الندب، ولا صارف له (٧).
(١) ينظر: فتح الباري ١/ ١٠٠، شرح البخاري لابن بطال ١/ ٩٩.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٣/ ٩٤ رقم ١٢٤٢٨, في رجل نذر وهو مشرك، ثم أسلم ما قالوا فيه.
(٣) سورة البقرة: آية: ٢١٧.
(٤) ينظر: المحلى ٦/ ٢٧٥.
(٥) رواه الدارقطني في السنن ٣/ ١٨٨ رقم ٢٣٦٥, كتاب الصيام, باب الاعتكاف, وقال: "هذا إسناد حسن".
(٦) إرشاد الساري ٣/ ٤٤١.
(٧) ينظر: شرح البخاري لابن بطال ٦/ ١٥٨، والتوضيح لابن الملقن ٣٠/ ٣٨١.