الاعتكاف، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام في العشر الأواخر حتى قبضه الله» (١).
الدليل الرابع: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المعتكف:«هو يُكَفِّر الذنوب، ويُجرى له من الحسنات كعامل الحسنات كلها»(٢).
وجه الاستدلال: في الحديث أن للمعتكف -الذي يفرغ نفسه للاعتكاف, ويبتعد عن الذنوب- من الأجر كعامل الحسنات كلها، وهذا أجر عظيم وفضل جسيم، يدل على فضل الاعتكاف (٣).
قال ابن تيمية:"وهو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن المعتكِف قد حَبَس الذنوب ووقفها, وامتنع منها؛ فلا تَخْلُص إليه، وقد تهيأ لجميع العبادات"(٤).
الدليل الخامس: ولأن في الاعتكاف من القُرَب، والمُكْث في بيت الله, وحبس النفس على عبادة الله, وإخلاء القلب من الشواغل عن ذكر الله, والتَخَلّي لأنواع العبادات المحضة من: التفكر، وذكر الله، وقراءة القرآن، والصلاة، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، إلى غير ذلك من أنواع القُرَب (٥).
قال عطاء:«إن مَثَل المعتكف مَثَل المجرم ألقى نفسه بين يدي الرحمن، فقال: والله لا أبرح حتى ترحمني»(٦).
والمعتكف يجلس في بيت الله تعالى، ويقول: لا أبرح حتى يغفر لي فهو أشرف الأعمال إذا كان عن إخلاص (٧).
(١) ينظر: شرح البخاري لابن بطال ٤/ ١٨١، التوضيح لابن الملقن ١٣/ ٦٦٨، وفتح الباري ٤/ ٢٨٥، وعمدة القاري ١١/ ١٥٧. (٢) رواه ابن ماجة ١/ ٥٦٧ رقم ١٧٨١, في الصيام باب في ثواب الاعتكاف, والبيهقي في الشعب ٥/ ٤٣٤ رقم ٣٦٧٨, وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير ٥٩٤٠. (٣) ينظر: التنوير شرح الجامع الصغير ١٠/ ٤٨٦. (٤) شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٧١٢. (٥) شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٧١١، والإحكام شرح أصول الأحكام ٢/ ٣٠٦. (٦) رواه البيهقي في شعب الإيمان ٥/ ٤٣٧ رقم ٣٦٨٤, باب الاعتكاف. (٧) ينظر: المبسوط للسرخسي ٣/ ١١٥، ومراقي الفلاح ص: ٢٦٩.