الدليل الأول: عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت:«كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه, فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة، وتُرِك عاشوراء، فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه»(١).
وجه الاستدلال من أربعة وجوه:
الوجه الأول: في قولها - رضي الله عنها -: «صامه وأمر بصيامه»، دليل على أنه كان واجبا؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بصيامه، والأمر المجرد عن القرائن يدل على الوجوب (٢).
الوجه الثاني: في قولها - رضي الله عنها -: «كان رمضان الفريضة»، وهذا اللفظ مشير إلى فرضية عاشوراء قبل رمضان, فمعنى كلامها: صار رمضان هو الفريضة، بعد أن كان عاشوراء هو الفريضة (٣)؛ فيكون معنى (كان) هنا بمعنى: (صار)(٤).
الوجه الثالث: في قولها - رضي الله عنها -: «وتُرِك عاشوراء»، فهذا لا يمكن التخلص منه إلا بأن صيامه كان فرضا قبل رمضان، وحينئذ فيكون المتروك وجوب صومه لا استحبابه، ويتعين هذا ولا بد؛ لأنه - عليه السلام - قال قبل وفاته بعام كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»(٥)، أي: معه، فعُلِم أن استحبابه لم يترك (٦).
الوجه الرابع: في قولها - رضي الله عنها -: «فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه»: دليل على التخيير في صيامه، مع أنه سنة اليوم؛ فلو لم يكن قبل ذلك واجبا لم يصح التخيير (٧).
(١) رواه البخاري ٦/ ٢٤ رقم ٤٥٠٤, كتاب تفسير القرآن, باب {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} , واللفظ له, ومسلم ٢/ ٧٩٢ رقم ١١٢٥, كتاب الصيام, باب صوم يوم عاشوراء. (٢) ينظر عمدة القاري ١١/ ١٢٢، والكواكب الدراري ٩/ ٧٧، والمنتقى ٢/ ٥٨. (٣) ينظر: فيض الباري ٥/ ٢٠٤، وينظر: البيان والتحصيل ١٧/ ٣٢٤. (٤) كقوله تعالى: {إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} سورة ص: الآية: ٧٤. أي: صار. (٥) رواه مسلم ٢/ ٧٩٨ رقم ١١٣٤, كتاب الصيام باب أي يوم يصام في عاشوراء. (٦) ينظر: زاد المعاد ٢/ ٦٨. (٧) ينظر: المجموع ٦/ ٣٨٤.