وجه الاستدلال: فهذه الأحاديث نصت على أن هذا الأجر العظيم، يناله من تَلبَّس بالصيام حال كونه مجاهدا في سبيل الله (١) , ولا يشاركه غيره في نيل هذا الأجر.
قال ابن الجوزي:"إذا أُطلِق ذِكْرُ سبيل الله، كان المشار به إلى الجهاد"(٢).
وقال ابن دقيق العيد:"قوله: «في سبيل الله» العُرْفُ الأكثر فيه: استعماله في الجهاد، فإذا حُمِل عليه كانت الفضيلة لاجتماع العبادتين، أعني: عبادة الصوم، والجهاد. ويحتمل أن يراد بسبيل الله: طاعته كيف كانت. ويُعبَّر بذلك عن صحة القصد والنية فيه. والأول أقرب إلى العُرْف"(٣).
وقال البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسِيَر: باب فضل الصوم في سبيل الله. وساق رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
قال العيني -في شرحه على البخاري بعد ذِكْر الترجمة-: "أي: هذا بابٌ في بيان فضل الصوم في سبيل الله، أي: الجهاد"(٤).
الدليل السابع: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رابط (٥) يوما في سبيل الله عز وجل , فيصوم يوما في سبيل الله, إلا زُحزِح عن النار سبعين خريفا» (٦).
وجه الاستدلال: أن الحديث نصَّ على أن هذا الأجر العظيم خاص بمن صام يوما في سبيل الله، حال كونه مرابطا، وهذا لا يكون إلا في الجهاد.
أدلة القول الثاني: القائلين إن معناه كل صيام إذا كان خالصا لوجه الله.
(١) قال العيني: "فإن قلت: ما التوفيق بين هذه الروايات؟ قلت: الأصل أن يرجح ما طريقته صحيحة، وأصحها رواية: سبعين خريفا، فإنها متفق عليها من حديث أبي سعيد. وجواب آخر: أن الله أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - أولا بأقل المسافات في الأبعاد، ثم أعلمه بعد ذلك بالزيادة على التدريج في مراتب الزيادة، ويحتمل أن يكون ذلك بحسب اختلاف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه". عمدة القاري ١٤/ ١٣٥، وينظر: إرشاد الساري ٥/ ٦٤. (٢) كشف المشكل من حديث الصحيحين ٣/ ١٥٣. (٣) إحكام الأحكام ٢/ ٣٧. (٤) عمدة القاري ١٤/ ١٣٣. (٥) الرباط، والمُرابَطَة: ملازمة ثغر العدو، كأنهم قد رُبِطوا هناك فثَبَتوا به ولازَموه. ينظر: مقاييس اللغة ٢/ ٤٧٨، تاج العروس ١٩/ ٢٩٩. (٦) رواه الشجري في ترتيب الأمالي الخميسية ٢/ ٥٤ رقم ١٥٦٣, وذكر ابن حجر أنه وجده في فوائد أبي الطاهر الذهلي, ينظر: فتح الباري ٦/ ٤٨.