الدليل الثاني: عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال:«هل عندكم شيء؟ » , فقلنا: لا، قال:«فإني إذن صائم»، ثم أتانا يوما آخر فقلنا: يا رسول الله أُهدِي لنا حيس، فقال:«أَرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل»(١).
وجه الاستدلال: أن إفطار النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام النفل بعد أن كان قد شرع فيه، دليل على أن إتمامه غير لازم (٢).
قال ابن تيمية:"فهذا نص في جواز الإفطار بعد إجماع الصيام"(٣).
الدليل الثالث: عن أبي جُحَيْفة (٤) - رضي الله عنه - قال: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سلمان (٥) وأبي الدرداء - رضي الله عنهما -، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء مُتَبَذِّلَة (٦)، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال: كل فإني صائم، فقال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم, فنام ثم ذهب يقوم، فقال: نم؛ فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن, فصليا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه, فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صدق سلمان»(٧).
(١) سبق تخريجه صفحة (١٨٣). (٢) ينظر: معالم السنن ٢/ ١٣٤. (٣) شرح العمدة كتاب الصيام ٢/ ٦٢٢. (٤) هو: وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة، أبو جُحَيْفَةَ السُّوَائِيّ، ويقال له: وهب الخير, من صغار الصحابة, روى عنه: ابنه عون, وسلمة بن كهيل, والشعبي, وغيرهم, سكن الكوفة وولي بيت المال والشرطة لعلي, توفي سنة ٦٤ هـ. ينظر: معرفة الصحابة ٥/ ٢٧٢٢، وتهذيب التهذيب ١١/ ١٦٤، سير أعلام النبلاء ٣/ ٢٠٢. (٥) هو: سلمان الفارسي، أبو عبد الله، صحابي جليل يعرف بسلمان الخير، أصله من فارس من رامهرمز، ولإسلامه قصة مشهورة، وهو صاحب فكرة حفر الخندق حول المدينة. توفي سنة ٣٦ هـ. ينظر: الاستيعاب ٢/ ٦٣٤، الإصابة ٣/ ١١٨، تهذيب الكمال ١١/ ٢٤٥. (٦) التَبَذّل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع. ينظر: النهاية في غريب الحديث ١/ ١١١، لسان العرب ١١/ ٥٠. (٧) رواه البخاري ٣/ ٣٨ رقم ١٩٦٨, كتاب الصوم, باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له.