سبب الخلاف: قال ابن رشد: "وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر الأثر للقياس؛ وذلك: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر المرأة في الحديث بكفارة، والقياس أنها مثل الرجل؛ إذ كان كلاهما مكلفا"(١).
أدلة القول الأول: القائلين بأن المرأة لا تلزمها كفارة.
الدليل الأول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، هلكت! قال:«ما لك؟ ». قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل تجد رقبة تعتقها؟ ». قال: لا. قال:«فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ». قال: لا. قال:«فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ ». قال: لا. قال: فمكث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينا نحن على ذلك أُتِي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرَق فيها تمر، قال:«أين السائل؟ ». فقال: أنا. قال:«خذ هذا فتصدق به». فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال:«أطعمه أهلك»(٢).
الدليل الثاني: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنه احترق! قال: «ما لك؟ ». قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمِكْتل يدعى العَرَق، فقال:«أين المحترق؟ ». قال: أنا. قال:«تصدق بهذا»(٣).
وجه الاستدلال: أن النص ورد في الرجل دون المرأة؛ وبيان ذلك من وجهين:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الواطئ في رمضان بالكفارة ولم يأمر في المرأة بشيء، مع علمه - صلى الله عليه وسلم - بوجود ذلك منها (٤). والأعرابي إنما سأله عن فعل شارك فيه زوجته مع جهلها بحكمه، فاقتضى أن يكون جوابه - صلى الله عليه وسلم - حكما لجميع الحادثة (٥).
الثاني: أنه لمّا كان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر المرأة بالكفارة ولا راسلها بإخراجها مع جهلها بالحكم فيها دل على أن الكفارة لا تلزمها (٦).
(١) بداية المجتهد ٢/ ٦٧. (٢) سبق تخريجه صفحة (٣٦٣). (٣) سبق تخريجه صفحة (٣٦٤). (٤) ينظر: المغني ٣/ ١٣٧. (٥) ينظر: الحاوي الكبير ٣/ ٤٢٥. (٦) ينظر: الحاوي الكبير ٣/ ٤٢٥، إحكام الأحكام ٢/ ١٨.