الدليل الثالث: «بَلَّ ابن عمر - رضي الله عنهما - ثوبا فألقاه عليه وهو صائم» (١).
وجه الاستدلال: أن الثوب المبلول إذا أُلقي على البدن بَلَّه، فأشبه ما إذا صب عليه الماء، أو إذا انغمس فيه (٢).
الدليل الرابع: ولأنه ليس فيه إلا دفع أذى الحر، فلا يُكرَه؛ كما لو استظلَّ (٣).
أدلة القول الثاني: القائلين بأنه يكره انغماس الصائم في الماء وتلففه بالثوب المبلول.
الدليل الأول: عن عليّ - رضي الله عنه -، قال: «لا تدخل الحمّام وأنت صائم» (٤).
وجه الاستدلال: أن علي - رضي الله عنه - كره للصائم الاغتسال حال كونه صائما.
الدليل الثاني: توجيه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي فيه: «أنه كان يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر»؛ أنه لبيان الجواز فقط, وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز (٥).
الدليل الثالث: ولأن فيه إظهار المَلَل من العبادة والامتناع عن تحمل مشقتها (٦).
الدليل الرابع: ولأن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ذكرتموه محمول على حال مخصوصة وهي حال خوف الإفطار من شدة الحر، وكذا فعل ابن عمر - رضي الله عنه - محمول أيضا على مثل هذه الحالة (٧).
الترجيح: الذي يترجح -والله أعلم- هو القول الأول, جواز اغتسال الصائم ودخوله الماء وتلففه بالثوب المبلول؛ وذلك لصحة ما استدل به أصحاب هذا القول، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله كما في حديث العَرْج، وصحابته الكرام أيضا.
وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني فيجاب عنه بما يلي:
(١) أخرجه البخاري معلقا في الصوم ٣/ ٣٠, باب اغتسال الصائم، ووصله في التاريخ الكبير ٥/ ١٤٧، وابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ٣٠٠ رقم ٩٢١٢, كتاب الصيام, باب ما ذكر في الصائم يتلذذ بالماء.
(٢) ينظر: إرشاد الساري ٣/ ٣٧٠، وعمدة القاري ١١/ ١١، وفتح الباري ٤/ ١٥٣.
(٣) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ١٠٨.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ٣١٨ رقم ٩٤٤٨، كتاب الصيام, باب في الرجل يدخل الحمام وهو صائم، وقال الحافظ في الفتح ٤/ ١٥٣: "في إسناده ضعف".
(٥) ينظر: مرقاة المفاتيح ٤/ ١٣٩٦، وأصول السرخسي ١/ ٦٤.
(٦) ينظر: بدائع الصنائع ٢/ ١٠٨.
(٧) المصدر السابق.