الأول: أن حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - والذي فيه:«أفطر الحاجم والمحجوم»، كان في زمان الفتح. أما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - والذي فيه إثبات حجامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم كان في حجة الوداع (١).
قال ابن عبد البر:"وصح النسخ فيها؛ لأن حجامته - صلى الله عليه وسلم - صحت عنه وهو صائم محرم عام حجة الوداع، وقوله:«افطر الحاجم والمحجوم»، كان منه عام الفتح، في صحيح الأثر بذلك"(٢).
الثاني: ويدل على النسخ أيضا قوله في حديث أنس - رضي الله عنه - السابق:«ثم رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدُ في الحجامة»، وغالب ما يستعمل الترخيص بعد النهي (٣).
الجواب الثاني: أن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أصح سندا، فوجب تقديمه (٤).
الجواب الثالث: أن معناه: تَعَرَضا للفطر، أما المحجوم: فلضعفه بخروج الدم، فربما لحِقَه مشقة فعجز عن الصوم فأفطر بسببها. وأما الحاجم: فقد يصل إلى جوفه شيء من الدم أو غيره إذا ضم شفتيه على قارورة الحجامة. كما يقال للمتعرض للهلاك: هَلَكَ فلان، وإن كان باقيا سالما. وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من ولي القضاء فقد ذُبِح بغير سكين»(٥)؛ أي: تعرض للذبح بغير سكين (٦).
ثانيا: وأما قولهم في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو مسافر، والمسافر إذا نوى الصوم له الفطر بالأكل والشرب والحجامة، فيجاب عنه:
(١) ينظر: المجموع ٦/ ٣٥٢، والسنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٤٤٦، والحاوي الكبير ٣/ ٤٦١. (٢) الاستذكار ٣/ ٣٢٥. (٣) ينظر السنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٤٤٦، والمجموع ٦/ ٣٥٢. (٤) المصدران السابقان. (٥) رواه أبو داوود ٣/ ٢٩٨ رقم ٣٥٧١، كتاب الأقضية, باب في طلب القضاء, واللفظ له، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي ٣/ ٦٠٦ رقم ١٣٢٥, أبواب الأحكام, باب ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القاضي, وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٢/ ٥١٤ رقم ٢١٧١: "حسن صحيح". (٦) ينظر: معالم السنن ٢/ ١١٠، والمجموع ٦/ ٣٥٣.