الشمس بيده. قال: فسقط الصُوّام، وقام المفطرون فضربوا الأبْنيَة (١) , وسَقَوا الرِّكاب (٢) , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر»(٣).
وجه الاستدلال: أن معنى الحديث: أن أجر المفطرين قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوم، وكأن الأجر كله للمفطر. فيكون المقصود: التشبيه في أن ما قَلّ جدا قد يُجعل كالمعدوم مبالغة (٤).
فإذا كان هذا هو ما للمفطرين من كثرة الأجور، دل على أن الإفطار في السفر أفضل.
الدليل الثالث: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: «أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة في رمضان فصام، حتى بلغ الكَديد أفطر، فأفطر الناس»(٥).
وجه الاستدلال: أن الفطر كان آخر الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أفطر في أثناء غزوة الفتح, ثم لم يزل مفطرا, ثم لم يسافر بعدها في رمضان, وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولهذا كانت الأحوال التي في آخر عمره أفضل من الأحوال التي في أول عمره (٦).
الدليل الرابع: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال:«ما هذا»؟ ، فقالوا: صائم، فقال:«ليس من البر الصوم في السفر»(٧).
(١) الأبْنيَة: هي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء، فمنها الطراف، والخباء، والبناء، والقبة، والمضرب. ينظر: النهاية ١/ ١٥٨، وتاج العروس ٣٧/ ٢١٨. (٢) الرِّكَاب: الإبل التي يسار عليها، الواحدة راحلة، ولا واحدة لها من لفظها. ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد ٢/ ٦٩، تهذيب اللغة ١٠/ ١٢٣، والنهاية في غريب الحديث ١/ ١٢٧. (٣) رواه البخاري ٤/ ٣٥ برقم ٢٨٩٠, كتاب الجهاد والسير باب فضل الخدمة في الغزو, ومسلم ٢/ ٧٨٨ برقم ١١١٩, كتاب الصيام, باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل. (٤) ينظر: إحكام الأحكام ٢/ ٢٢. (٥) سبق تخريجه صفحة (٢٠٠). (٦) ينظر: شرح العمدة كتاب الصيام ١/ ٢١٤. (٧) سبق تخريجه صفحة (٢٠١).