وَأَمَّا زَعْمُ بَعْضِهِم أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَقَط -جَدَلًا-؛ وَأَنَّ الحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ اتِّفَاقًا! فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذَا التَّوَسُّلِ، وَلِكَونِ الاسْتِحْبَابِ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنَ الأَحْكَامِ الخَمْسَةِ -الَّتِي لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ- فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالحَدِيثِ الضَّعِيفِ، فَالأَمْرُ خَارِجٌ عَنْ مُجَرَّدِ الفَضَائِلِ (١).
(١) قُلْتُ: وَمَعْنَى (فِي الفَضَائِلِ): أَي: إِيرَادُ الحَدِيثِ الضَّعِيفِ الإِسْنَادِ فِي مَعْرِضِ ذِكْرِ فَضِيلَةِ عَمَلٍ مَا ثَابِتٍ شَرْعًا، أَوِ الحَثِّ عَلَيهِ، وَلَيسَ فِي مَعْرِضِ إِثْبَاتِ حُكْمٍ بِهِ! وَدَعْوَى الاتِّفَاقِ هَذِهِ غَيرُ مُسَلَّمٍ بِهَا، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الجَوَازِ؛ لِأَنَّ الكُلَّ شَرْعٌ.وَلَكِنْ حَتَّى الَّذِينَ قَالُوا بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ قَدْ وَضَعُوا لِذَلِكَ العَمَلِ شُرُوطًا.قَالَ الحَافِظُ ابْن حَجَرٍ ﵀: "وَلَكِنِ اشْتُهِرَ أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ يَتَسَامَحُونَ فِي إِيرَادِ الأَحَادِيثِ فِي الفَضَائِلِ -وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَعْفٌ- مَا لَمْ تَكُنْ مَوضُوعَةً.وَيَنْبَغِي مَعَ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ أَنْ يَعْتَقِدَ العَامِلُ كَونَ ذَلِكَ الحَدِيثِ ضَعِيفًا، وَأَنْ لَا يُشْهِرَ بِذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَعْمَلَ المَرْءُ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ؛ فَيُشَرِّعَ مَا لَيسَ بِشَرْعٍ! أَو يَرَاهُ بَعْضُ الجُهَّالِ؛ فَيَظُنُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ! وَقَدْ صَرَّحَ بِمَعْنَى ذَلِكَ الأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيرُهُ، وَلْيَحْذَرِ المَرْءُ مِنْ دُخُولِهِ تَحْتَ قَولِهِ ﷺ: ((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَذَّابِين)) فَكَيفَ بِمَنْ عَمِلَ بِهِ؟! وَلَا فَرْقَ فِي العَمَلِ بِالحَدِيثِ فِي الأَحْكَامِ أَو فِي الفَضَائِلِ؛ إِذِ الكُلُّ شَرْعٌ". تَبْيِينُ العَجَبِ بِمَا وَرَدَ فِي شَهْرِ رَجَب (ص ١١).وَقَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (تَمَامُ المِنَّةِ) (ص ٣٦): "فَهَذِهِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ مُهِمَّةٌ لِجَوَازِ العَمَلِ بِهِ:١ - أَنْ لَا يَكُونَ مَوضُوعًا.٢ - أَنْ يَعْرِفَ العَامِلُ بِهِ كَونَهُ ضَعِيفًا.٣ - أَنْ لَا يُشْهرَ العَمَلُ بِهِ".قُلْتُ: وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَنْ يَنْدَرِجَ العَمَلُ نَفْسُهُ تَحْتَ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ.=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute