وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيهِ العُلَمَاءُ مِنْ وَضْعِ هَذَا الحَدِيثِ وَبُطْلَانِهِ أَنَّهُ يُخَالِفُ القُرْآنَ الكَرِيمَ فِي مَوضِعَينِ مِنْهُ؛ وَهُمَا:
أ- أَنَّهُ تَضَمَّنَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى غَفَرَ لِآدَمَ بِسَبَبِ تَوَسُّلِهِ بِهِ ﷺ؛ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: ((يَا آدَمُ، وَكَيفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟!))، وَاللهُ ﷿ يَقولُ: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البَقَرَة: ٣٧]، فَالحَقِيقَةُ أَنَّ هَذَا التَّلَقِّي لِلْكَلِمَاتِ هُوَ سَبَبُ قَبُولِ التَّوبَةِ (١).
ب- قَولُهُ فِي آخِرِهِ: ((وَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ))! مُعَارِضٌ لِمَا قَد أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِهِ عَنِ الحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ، فَقَالَ ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذَّارِيَات: ٥٦] (٢).
(١) قَالَ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀: "وَقَد جَاءَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الكَلِمَاتِ عَنْ تَرْجُمَانِ القُرْآنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ بِمَا يُخَالِفُ هَذَا الحَدِيثَ، فَأَخْرَجَ الحَاكِمُ (٣/ ٥٤٥) عَنْهُ: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ قَالَ: أَي رَبِّ؛ أَلَمْ تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَي رَبِّ؛ أَلَمْ تَنْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَي رَبِّ؛ أَلَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَي رَبِّ؛ أَلَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ غَضَبَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَرَأَيتَ إِنْ تُبْتُ وَأَصْلَحْتُ؛ أَرَاجِعِي أَنْتَ إِلَى الجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى [فِي غَيرِهَا مِنَ الأُصُولِ: نَعَم. وَهُوَ الصَّوَابُ لُغَةً]. قَالَ: فَهُوَ قَولُهُ ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾. قَالَ الحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَا.وَقَولُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا هُوَ فِي حُكْمِ المَرْفُوعِ مِنْ وَجْهَينِ:١ - أَنَّهُ أَمْرٌ غَيبِيٌّ؛ لَا يُقَالُ مِنْ مُجَرَّدِ الرَّأْي.٢ - أَنَّهُ وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهوَ فِي حُكْمِ المَرْفُوعِ".(٢) وَمِثْلُهُ الحَدِيثُ المَشْهُورُ لَفْظًا: ((يَا مُحَمَّدُ، لَولَاكَ مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا))!! وَهُوَ مَوضُوعٌ، كَمَا فِي تَلْخِيصِ كِتَابِ المَوضُوعَاتِ (ص ٨٦) لِلحَافِظِ الذَّهَبِيِّ؛ وَفِيهِ أَيضًا: "وَقَالَ ابْنُ الجَوزِيِّ: مَوضُوعٌ بِلَا شَكٍّ، وَيَحْيَى البَصْرِيُّ تَالِفٌ كَذَّابٌ، وَالسَّنَدُ فِيهِ ظُلْمَةٌ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute