فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْأَطْعِمَةِ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَشَيْءٌ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَالَ فِي عِلَلِهِ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ وَالسِّتِّينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ١ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ كَبْشٌ مُسِنٌّ، وَيُؤْكَلُ"، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُد٢ رَوَاهُ بِسَنَدِ السُّنَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَكْلَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ، فَقَالَ: "هُوَ صَيْدٌ، وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ"، انْتَهَى. أَخْرَجَهُ فِي الْأَطْعِمَةِ وَوَهَمَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إذْ عَزَاهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ لِلسُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَكِنْ أَخَذُوا مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إبَاحَةَ أَكْلِهِ، زَاعِمِينَ أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَوْ قَتَلَ السَّبُعَ أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَعِنْدَنَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ، لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمُمْتَنِعِ المتوحش في أصل الخلقة، قَالُوا: لَوْ كَانَ هَذَا مُرَادًا لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ، إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ أَنَّ الضَّبُعَ مُمْتَنِعَةٌ مُتَوَحِّشَةٌ، وَإِنَّمَا سَأَلَ جَابِرٌ عَنْ أَكْلِهَا، سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِأَكْلِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ، قُلْنَا: هَذَا يَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ أَصَيْدٌ هِيَ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ، ثُمَّ سَأَلَهُ آكُلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ هُوَ الْمَأْكُولَ لَمْ يُعِدْ السُّؤَالَ، وَاسْتَدَلَّ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} قَالَ: فَهَذَا يَقْتَضِي حِلَّ صَيْدِ الْبَحْرِ دَائِمًا، وَحِلُّ صَيْدِ الْبَرِّ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، وَفِي الْبَحْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ، كَالتِّمْسَاحِ، وَفِي الْبَرِّ مَا لَا يُؤْكَلُ، كَالسِّبَاعِ، قَالَ: فَثَبَتَ أَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ، انْتَهَى. وَلِأَصْحَابِنَا أَنْ يَقُولُوا: الصَّيْدُ فِي الْآيَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ، وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ الصَّيْدُ فِي الْبَحْرِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ الصَّيْدُ فِي الْبَرِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ لَحْمٍ اصْطَادَهُ حَلَالٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ فِي الْآيَةِ الِاصْطِيَادُ لَا الْحَيَوَانُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ، فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ السَّمَكِ، وَقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالصَّيْدِ فِي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} الِاصْطِيَادُ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّيْدِ: وَالصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ، قَالَ قَائِلُهُمْ:
١ في المستدرك في الحج ص ٤٥٣ ج ١.٢ عند أبي داود باب في أكل الضبع ص ١٧٧ ج ٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute