فَقَالَ لَهَا: " حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِك"، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، قَالَ: "إذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدْعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا، لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ"، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَجَمَهَا، انْتَهَى. قَالُوا: وَلَيْسَ فِيهِ إقْرَارُهَا أَرْبَعَ مرات، قالوا: وإنما ردد النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام ظَنَّ أَنَّ فِي عَقْلِهِ شَيْئًا، لَا لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، قَالُوا: وَقَدْ جَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ١، قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَصِيرٍ أَشْعَثَ ذِي عضلاة، عَلَيْهِ إزَارٌ، وَقَدْ زَنَى، فَرَدَّهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالزِّنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالُوا: وَهَذَا يُضْعِفُ الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، وَالْجَوَابُ: أَمَّا حَدِيثُ الْعَسِيفِ، فَمَعْنَاهُ: " وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ"، الِاعْتِرَافَ الْمَعْهُودَ بِالتَّرَدُّدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْغَامِدِيَّةِ: فَالرَّاوِي قَدْ يَخْتَصِرُ الْحَدِيثَ، ولا يلزم عن عَدَمِ الذِّكْرِ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ رَدَّهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ ثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ أَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ يَرُدُّهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: " اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي"، الْحَدِيثَ، وَيُرَاجَعُ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ عليه السلام ردد مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ بِعَقْلِهِ شَيْئًا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ عليه السلام سَأَلَ عَنْ عَقْلِهِ بعد اعتراف الرَّابِعَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثِ جَابِرٍ الْمُخَرَّجَيْنِ فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، فَلَوْ كَانَ تَكْرَارُ الْأَرْبَعَةِ إنَّمَا هُوَ لِاخْتِبَارِ عَقْلِهِ، لَمَا كَانَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَائِدَةٌ، وَكَيْفَ! وَقَدْ رَدَّهُ عليه السلام بَعْدَ أَنْ أُخْبِرَ بِعَقْلِهِ، كَمَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ مَاعِزًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ مِنْ الْغَدِ، فَرَدَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ، "هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا؟ " فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ، مِنْ صَالِحِينَا، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً وَرَجَمَهُ، مُخْتَصَرٌ. فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُعْتَبَرَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ هَزَّالٍ أَنَّهُ عليه السلام، قَالَ لِمَاعِزٍ: " إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ"، وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: "إنَّك شَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ"٢، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: "أَلَيْسَ أَنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؟ " فَرَتَّبَ الرَّجْمَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ قَالَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي "مُسْنَدِ أَحْمَدَ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: إنْ اعْتَرَفَتْ الرَّابِعَةَ رَجَمَك، وَهَذَا أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، لَوْلَا أَنَّ في إسناده جابر الْجُعْفِيَّ،
١ حديث جابر بن سمرة، عند مسلم: ص ٦٦ - ج ٢، وحديث أبي سعيد، عنده في: ص ٦٧ - ج ٢.٢ حديث ابن عباس، عند أبي داود في "الحدود - باب الرجم" ص ٢٥١ - ج ٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute