وثانيهِما: ما ذكرَه بقوله: ﴿يُلْقُونَ السَّمْعَ﴾؛ أي: الأفَّاكون يلقونَ السَّمعَ إلى الشَّياطين، فيتلقَّون منهم ظنوناً وأماراتٍ لنُقصان علمِهم، فيضمُّون إليها على حسب تخيُّلاتهم أشياءَ لا تُطابق أكثرَها، كما جاء في الحديث:"الكلمة يَخطَفُها (١) الجنِّيُّ، فيقُرُّها (٢) في أذن وليِّه، فيزيد فيها أكثرَ مِن مئةِ كَذْبَةٍ"(٣).
ولا كذلك محمَّدٌ ﵊، فإنَّه أخبرَ عن مغيَّباتٍ كثيرةٍ لا تُحصَى، وقد طابق كلُّها.
و ﴿يُلْقُونَ﴾ حالٌ؛ أي: تنزِلُ مُلقينَ السَّمع، أو صفةُ ﴿كُلِّ أَفَّاكٍ﴾؛ لأنَّه في معنى الجمع، فيكون في محل الجرِّ، أو استئناف فلا يكون له محلٌّ من الإعراب، كأنَّه قيل: لِمَ تنزلُ على الأفَّاكين؟ فقيل: لأَنَّهم يفعلون كيْتَ وكيْتَ.
﴿وَأَكْثَرُهُمْ﴾ أي: أكثرُ الأفَّاكين ﴿كَاذِبُونَ﴾: يفترون على الشَّياطين ما يُوحون إليهم.
واختصاصُ هذا النَّوع مِن الكذبِ بأكثرهم لا ينافي تناولَ جنس الكذبِ كلَّهم.
(١) في (ي) و (ع) و (م): "يحفظها". (٢) في (ي) و (ع): "فيقرؤها"، و في (م): "فيقرعها". (٣) روى نحوه البخاري (٥٧٦٢)، ومسلم (٢٢٢٨)، من حديث عائشة ﵂. قوله: "يخطفها" من الخطف وهو الأخذ بسرعة "فيَقُرُّها": يصبها. "وليه"؛ أي: الكاهن الذي يواليه.