للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ استئناف لتعليل ما قدَّمه من القيدين عبارةً وإشارةً:

أمَّا الأول: فظاهر؛ فإن الأخبار التأكيدي عن قرب (١) رحمته تعالى مطمع.

وأما الثاني فلأنَّ اشتراط الإحسان - وهو وراء الإيمان والإسلام - مظنةُ الخوف لعامة المؤمنين، وقد قال كثير من العلماء: ينبغي أن يغلَّب الخوف على الرجاء طولَ الحياة، فإذا جاء الموت غلِّب الرجاء، ومن هنا اتَّضح وجه آخرُ لتقديم الخوف على الطمع.

وتذكير ﴿قَرِيبٌ﴾ لأن تأويل الرحمة بالرُّحم (٢) أو التَّرَحُّم، أو لاكتسابها التذكيرَ من المضاف إليه كما ذكروا في قراءة: (ما إنَّ مَفاتحه ليَنوءُ) بالياء التحتانية (٣)، أو لكونه صفةَ محذوفٍ؛ أي شيءٌ قريبٌ، أو على تشبيهه بفعيلٍ بمعنى مفعولٍ، أو بفعيلٍ الذي هو المصدر كالنقيض، أو للفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره، وأما التذكير لكون التأنيث غيرَ حقيقي فوهمٌ؛ لوجوب التأنيث في نحو: الشمس طالعة، و: الموعظة نافعة (٤).

* * *


(١) في (ف): "قريب".
(٢) بضم الراء وسكون الحاء، وبضمهما، بمعنى الرحمة. "حاشية الشهاب على البيضاوي" (٤/ ١٧٥).
(٣) تنسب لبديل بن ميسرة، وستأتي في مكانها عند تفسير سورة القصص.
(٤) انظر: "الكشاف" (٢/ ١١١)، و "تفسير البيضاوي" (٣/ ١٦)، و "روح المعاني" (٩/ ١٥٣) وما بعدها، وقد ذكر الآلوسي هذه الأوجه وزاد عليها وجوهاً أخرى وتعقبها جميعاً في بحث حسن.