للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿رَبُّكُمْ حَقًّا﴾ إنما قالوه (١) تبجُّحاً بحالهم، وتحسيراً لأصحاب النار، ولذلك ذُكر مفعول (وعد) في الأول وتُرك في الثاني، فإن أهل الجنة يستبشِرون بحصول موعودهم، فذكروا ما وعدهم الله تعالى مضافاً إليهم، وأطلقوه حين سألوا أهل النار ليشمل كلَّ موعود؛ من البعث والحساب والثواب والعقاب، وسائرِ ما في أحوال القيامة من الأهوال؛ تنبيهاً على تكذيبهم (٢) بأمور كثيرة ليست مخصوصةً بهم ساءهم كلَّها، وتكون إجابتهم بـ ﴿نَعَمْ﴾ تصديقاً بجميع ما وعد الله بوقوعه في الآخرة للصنفين، واعترافاً منهم بحصول موعود المؤمنين؛ ليتحسَّروا على ما فاتهم من نَعْيمهم، إذ نعيم أهل الجنة مما يَحزُنهم ويزيد في عذابهم.

﴿قَالُوا نَعَمْ﴾ وقرئ: ﴿نَعَمْ﴾ بكسر العين (٣) فرقاً بين (نَعمْ) التي هي جوابٌ، وبين نَعَمٍ هي التي اسم للإبل والبقر والغنم.

﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾ أُبهم للتنكير، ونُكر للتعظيم، وهو ملَك ينادي بأمر الله تعالى نداءً يسمعه أهل النار زيادةً في تحسيرهم، فمعنى ﴿بَيْنَهُمْ﴾: بين القائلين ﴿نَعَمْ﴾، ولو كان المعنى: بين الفريقين، لقيل: بينهما كما قيل: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ [الأعراف: ٤٦].

﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: الكفارِ؛ إطلاقاً لاسم الجنس على الفرد الكامل، بدليل قوله تعالى: ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ﴾ وقرئ: ﴿أَنْ لَعْنَةُ﴾ بالتشديد والنصب (٤).

وقرئ: (إنَّ) بالكسر (٥) على إرادة القول، أو إجراء التأذين مجراه.


(١) في (م) و (ك): "قالوا".
(٢) في (ف): "تنبيههم".
(٣) هي قراءة الكسائي. انظر: "التيسير" (ص: ١١٠).
(٤) هي قراءة ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر: "التيسير" (ص: ١١٠).
(٥) بكسر الهمزة والتشديد ونصب (لعنةَ). انظر: "المحرر الوجيز" (٢/ ٤٠٣)، و "البحر" (٤/ ٩٩).