إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ فَجَمِيعُ جَوَاهِرِهِ بَاقِيَةٌ قَدْ تَفَرَّقَتْ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِعَادَةِ يَجْمَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَلِهَذَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْ حُذَّاقِهِمْ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ، كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ (١) وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ وَالْغَزَالِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ تَبَيَّنَ لَهُمْ فَسَادُ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ، يَذُمُّونَ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَحْسَنَ أَمْرِهِمُ الشَّكُّ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَافَقُوهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا قَالُوهُ مِنَ الْبَاطِلِ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِتَرْكِيبِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ (٢) الْمَحْسُوسَةِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْمَعْقُولَةِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَكَذَلِكَ مَا يُثْبِتُهُ الْمَشَّاءُونَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ: كَالْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ الْمُجَرَّدَةِ، كَالْمَادَّةِ وَالْمُدَّةِ وَالْمُثُلِ الْأَفْلَاطُونِيَّةِ، وَالْأَعْدَادِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا - أَوْ بَعْضَهَا - كَثِيرٌ مِنَ الْمَشَّائِينَ أَتْبَاعِ فِيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ (٣) وَأَرِسْطُو. وَإِذَا حَقَّقَ الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَثْبَتُوهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وُجُودٌ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَهَذَا لِبَسْطِهِ مَوْضِعٌ آخَرُ (٤) ، وَهَذَا الْمُصَنَّفُ لَمْ يَذْكُرْ لِقَوْلِهِ إِلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى، فَلِذَلِكَ لَمْ نَبْسُطِ الْقَوْلَ فِيهِ.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ آخِرَ مَا يُنْتَهَى إِلَيْهِ أَصْلُ هَؤُلَاءِ - الَّذِي
(١) أ، ب: كَأَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.(٢) أ: الْمُنْفَرِدَةِ.(٣) أ: وَأَفْلَاطُنْ.(٤) لِابْنِ تَيْمِيَّةَ كِتَابُ " إِبْطَالُ قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ بِإِثْبَاتِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ " ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ مِنْ مَنَاقِبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ، ص ٣٦ ; ابْنِ الْجَوْزِيَّةِ: أَسْمَاءُ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، ص [٠ - ٩] ٠. وَهَذَا الْكِتَابُ مِنْ كُتُبِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ الْمَفْقُودَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute