وَلَمَّا تَوَلَّى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَظْهَرَ مِنَ السُّنَّةِ وَالْعَدْلِ مَا كَانَ قَدْ خَفِيَ، ثُمَّ مَاتَ، فَطَلَبَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يَسِيرَ سِيرَتَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ عِشْرُونَ شَيْخًا مِنْ شُيُوخِ [الشِّيعَةِ] (١) الْعُثْمَانِيَّةِ، فَحَلَفُوا لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً تَقَبَّلَ مِنْهُ الْحَسَنَاتِ وَتَجَاوُزَ لَهُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، حَتَّى أَمْسَكَ عَنْ مِثْلِ طَرِيقَةِ عُمَرَ [بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ] (٢) .
وَلِهَذَا كَانَتْ فِيهِمْ طَاعَةٌ مُطْلَقَةٌ لِمُتَوَلِّي أَمْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِمْ مُطْلَقًا، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ كَانَ يَعْتَقِدُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ عَلَى ذَنْبٍ، كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ سَيِّئَاتِ الْوُلَاةِ مُكَفَّرَةٌ بِحَسَنَاتِهِمْ، كَمَا تُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.
فَهَؤُلَاءِ إِذَا كَانُوا لَا يَرَوْنَ خُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ، مُعَاوِيَةَ فَمَنْ بَعْدَهُ، مُؤَاخَذِينَ بِذَنْبٍ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ فِي عُثْمَانَ - مَعَ سَابِقَتِهِ [وَفَضْلِهِ] (٣) وَحُسْنِ سِيرَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ؟
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ، فَأُولَئِكَ يُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا جَمِيعًا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمُ اخْتِصَاصٌ بِذَمِّ عُثْمَانَ. وَأَمَّا شِيعَةُ عَلِيٍّ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرُهُمْ - يَذُمُّ عُثْمَانَ، حَتَّى الزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَتَرَحَّمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فِيهِمْ مَنْ يَسُبُّ عُثْمَانَ وَيَذُمُّهُ، وَخِيَارُهُمُ الَّذِي يَسْكُتُ عَنْهُ فَلَا يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْعَنُهُ.
(١) الشِّيعَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .(٢) بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .(٣) وَفَضْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute