الَّذِى خَلَقَكُمْ} .
ثُمَّ قَالَ: {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} وَهُمَا حَاسَّتَا الْإِدْرَاكِ وَالتَّأَمُّلِ، فَقَالَ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} مَعَ اسْتِعْدَادِهِ لِلْقَبُولِ وَالرَّفْضِ.
وَقَوْلُهُ: {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} مِثْلُ قَوْلِهِ هُنَا: {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} أَيْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ وَالنَّظَرِ وَهِدَايَةِ السَّبِيلِ بِالْوَحْيِ، وَلِذَا جَاءَ فِي هَذَا السِّيَاقِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا} .
وَبِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمْلَةِ يَظْهَرُ لَنَا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَنَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى وُجُودِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى بَعْثِ الْمَوْتَى، وَمِنْ ثَمَّ مُجَازَاتِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلَهُ وَهُدَاهُ النَّجْدَيْنِ، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا وَلَوِ احْتَجَّ إِنْسَانٌ فِي الدُّنْيَا بِالْقَدَرِ لَقِيلَ لَهُ: هَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَلَيْكَ، أَمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ وَنَهَاكَ وَبَيَّنَ لَكَ الطَّرِيقَ.
وَعَلَى كُلٍّ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ الْقَدَرِ مِنْ أَخْطَرِ الْقَضَايَا وَأَغْمَضِهَا، كَمَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْقَدَرُ سِرُّ اللَّهِ فِي خلقه (١) .
(١) - لم أَقف عَلَيْهِ عَنهُ بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد قَالَ اللالكائي فِي " اعْتِقَاد أهل السّنة" (٤/٦٢٩) (١١٢٣) أخبرنَا عبيد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد قَالَ أخبرنَا أَبُو الطّيب ابْن السندي قَالَ ثَنَا مُوسَى بن الْحسن الجلاجلي قَالَ ثَنَا عبد الله بن بكر قَالَ ثَنَا أَبُو بكر عبد الرَّحْمَن رفع الحَدِيث إِلَى عَليّ أَنه سَأَلَهُ فَقَالَ: " يَا أَبَا الْحسن مَا تَقول فِي الْقدر فَقَالَ طَرِيق مظلم فَلَا تسلكه فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن مَا تَقول فِي الْقدر فَقَالَ بَحر عَظِيم فَلَا تلجه فَقَالَ يَا أَبَا الْحسن مَا تَقول فِي الْقدر فَقَالَ سر الله فَلَا تكلفه ".وَعبد الرَّحْمَن لم أعرفهُ. وَقَالَ مُحَقّق كتاب الِاعْتِقَاد: وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْآجُرِيّ فِي الشَّرِيعَة (ص/٢٠٠) ، وَابْن بطة فِي الْإِبَانَة (٢/٢٠٧) ، وَذكره ابْن بابويه القمي الشيعي بِسَنَد آخر عَن عَليّ فِي التَّوْحِيد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute