وَقَدْ وُجِدَ نَظِيرُهُ فِي الدُّنْيَا فَتِلْكَ نَارُ النُّمْرُوذِ، كَانَتْ تُحْرِقُ الطَّيْرَ فِي الْجَوِّ إِذَا اقْتَرَبَ مِنْهَا، وَعَجَزُوا عَنِ الدُّنُوِّ إِلَيْهَا لِيُلْقُوا فِيهَا إِبْرَاهِيمَ وَوَضَعُوهُ فِي الْمَنْجَنِيقِ وَرَمَوْهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَمَعَ ذَلِكَ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَهَا: {كُونِى بَرْداً وَسَلَامَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ، فَسُبْحَانَ مَنْ بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء.] (١) .
- النَّار لَهَا إِدْرَاك وحس.
[اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ النَّارَ تُبْصِرُ الْكَفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا صَرَّحَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ هُنَا: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وَرُؤْيَتُهَا إِيَّاهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ، تَدُلُّ عَلَى حِدَّةِ بَصَرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، كَمَا أَنَّ النَّارَ تَتَكَلَّمُ كَمَا صَرَّحَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كثير، كَحَدِيثِ مُحَاجَّةِ النَّارِ مَعَ الْجَنَّةِ (٢) ، وَكَحَدِيثِ اشْتِكَائِهَا إِلَى رَبِّهَا، فَأَذِنَ لَهَا فِي نَفْسَيْنِ (٣) ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهَا تَرَاهُمْ وَأَنَّ لَهَا تَغَيُّظًا عَلَى الْكُفَّارِ، وَأَنَّهَا تَقُولُ: هَل من مزِيد.
(١) - ٧/٣٤٤، الجاثية / ٩.(٢) - أخرج البُخَارِيّ (٤/١٨٣٦) (٤٥٦٩) ، وَمُسلم (٤/٢١٨٦) (٢٨٤٦) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تَحَاجَّتْ النَّار وَالْجنَّة، فَقَالَت النَّار: أُوثِرت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَت الْجنَّة: فَمَا لي لَا يدخلني إِلَّا ضعفاء النَّاس وَسَقَطهمْ وعجزهم ... ) الحَدِيث، وَاللَّفْظ لمُسلم.(٣) - أخرج البُخَارِيّ (١/١٩٩) (٥١٢) ، وَمُسلم (١/٤٣١) (٦١٧) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اشتكت النَّار إِلَى رَبهَا فَقَالَت يَا رب أكل بَعْضِي بَعْضًا فَأذن لَهَا بنفسين نفس فِي الشتَاء وَنَفس فِي الصَّيف فَهُوَ أَشد مَا تَجِدُونَ من الْحر وَأَشد مَا تَجِدُونَ من الزَّمْهَرِير) ، وَاللَّفْظ لمُسلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute