فاغرورقت عيناه بالدموع (١). وألفى نفسه في موقف صعب خطير، يشبه ما حدث من قبل للحملة الصليبية الخامسة (٢)، فها هو جيشه يقف في مكان قريب من المكان الذي وقفت فيه، لا يريم، فالكارثة التي حلت به في المنصورة جعلته عاجزا عن شن هجوم عليها، ولا نجاة له مما هو فيه إلا أن يقع في مصر من الاضطرابات والفتن ما يحملهم على أن يعرضوا عليه شروطا للصلح يقبلها. وإلى أن يحين ذلك لجأ إلى تحصين معسكره، وتدعيم الجسر على البحر الصغير (٣).
* * *
وتتواتر الأخبار بقرب وصول المعظم تورانشاه إلى مصر، فيخرج القاضي بدر الدين السنجاري إلى لقائه بغزة، ثم يخرج الأمير حسام الدين بن أبي علي إلى قرب الصالحية، فيتلقاه بها يوم السبت ١٦ ذي القعدة/ ٢٠ شباط، وينزل بها في قصر والده، ويقدم إليه جمع كثير من الأمراء ومماليك والده للسلام عليه، ويقع وقتئذ التصريح بوفاة الصالح أيوب، بعد كتمان له دام نحو ثلاثة أشهر (٤)، ولم يكن أحد قبل هذا اليوم ينطق بموته (٥).
ثم يرحل المعظم من الغد إلى المنصورة (٦)، ويصل إليها يوم الخميس ٢١ ذي القعدة/ ٢٥ شباط (٧)، ويتلقاه الأمراء والمماليك البحرية، ويستقر في قصر أبيه (٨).
وأول ما بدأ به أن أخذ مماليك الأمير فخر الدين يوسف الصغار، واستولى على ثروته التي خلفها، ولم يعط ورثته شيئا، وأخذ يسبه (٩)، ويجعل حسناته سيئات، ويقول: أنفق الأموال وأطلق المحابيس، أيش ترك
(١) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٤٦١). (٢) ينظر: (ص ١١٦) من هذا الكتاب. (٣) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٤٦٢). (٤) مفرج الكروب (٦/ ١١٥ - ١١٦). (٥) السلوك (ج ١/ ق ٢/ ٣٥٢). (٦) مفرج الكروب (٦/ ١١٦). (٧) السلوك (ج ١/ ق ٢/ ٣٥٣). (٨) مفرج الكروب (٦/ ١١٨). (٩) السلوك (ج ١/ ق ٢/ ٣٥٣).