فما إن انقضت ثلاث سنوات على وفاة جده الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي، وقد بلغ التاسعة عشرة من عمره، حتى شرع في رحلته الأولى لطلب العلم، ولقاء الشيوخ.
فخرج من بغداد في أول سنة ٦٠٠ هـ/ ١٢٠٣ م (١)، تسبقه شهرة جده، متجها شمالا.
فمر على أوانا؛ قرية بالدجيل، فزار رباط زاهدها الشيخ القدوة العارف محمد بن أبي المعالي بن قائد (٢)، وكان قد استشهد غيلة سنة ٥٨٤ هـ/ ١١٨٨ م، فشاهد دمه بعد انقضاء تلك السنين، وهو ما يزال طريا، على جلد غزال كان يجلس عليه (٣).
ثم اجتاز بدقوقا (٤)، وهي مدينة صغيرة بين بغداد وإربل (٥)، فالتقى خطيبها، وكان يقال له الحجة، فسمع منه الحديث، ثم عقد بها مجالس للوعظ. ولم يطل مقامه فيها، فتابع طريقه إلى إربل، واجتمع فيها بشيخ كيس ظريف يقال له محيي الدين الشاتاني، وكان حافظا للشعر، فأنشد له مقطعات مما يحفظ (٦). وسمع من أعيانها عن مآثر حاكمها مظفر الدين