الفرسان التيوتون أشعلوا النيران، حماقة منهم، بكل ما لم يستطيعوا حمله من خيام ومجانيق وأثقال بالمعسكر، فدلوا بذلك المسلمين على انسحابهم (١). وكان النيل يزداد ارتفاعا من الفيضان، فأصدر الكامل أوامره بفتح قناطر الشاطئ الشرقي للنيل، فتدفقت المياه إلى الأراضي المنخفضة المتاخمة للنهر، فأوحلت، وصار الصليبيون يشقون طريقهم وسط البرك والخنادق الموحلة، والفرسان المسلمون من خلفهم يطاردونهم (٢)، فتعثروا في تراجعهم وتثاقلوا، فعندما حل يوم الجمعة ٧ رجب/ ٢٧ آب لم يكونوا قد تراجعوا إلا مسافة قصيرة، والمياه محيطة بهم من كل جانب، والعساكر الإسلامية سدت عليهم طريقهم الوحيدة إلى دمياط (٣).
ويبدو أن المعظم عيسى تصادف وصوله في هذا الوقت إلى مصر، وقد أخبر، وهو في الطريق، أن الصليبيين يتراجعون إلى دمياط، فاتجه على الفور نحوها، يسابقهم إليها (٤).
وحاول الملك جان دي بريين إنقاذ القوات الصليبية مما حاق بها، فحث جنوده على المقاومة والصمود، وجمع بعض الفرسان الرهبان لدفع المسلمين، فنشبت معركة استمرت حتى فجر يوم السبت ٨ رجب/ ٢٨ آب، قتل فيها ألوف الصليبيين.
ومع شروق الشمس كانت سهام المسلمين ما تزال تنهال عليهم من كل صوب، وقد عجزت خيولهم من الطمي والمياه الغامرة عن الحركة، فغدا الصليبيون كالضفادع في الماء، أو كالسمك في الشباك، على حد تعبير أحدهم، وقد هدهم الجوع والإرهاق، وحينئذ أدركوا ألا نجاة لهم مما هم فيه، فألقوا السلاح، ولم يعد يسمع منهم غير البكاء والنحيب
(١) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٢٩٨ - ٢٩٩). (٢) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٢٩٩). (٣) الحملة الصليبية الخامسة (٣٣١ - ٣٣٢). (٤) الكامل (١٢/ ٣٢٨).