وبينا الصليبيون على تلك الحال، وصل إليهم مركب عظيم يسمى مرمة، وحوله عدة حراقات يحمونه، وهي مشحونة بالميرة والسلاح، وما يحتاجون إليه، فوقعت عليه شواني المسلمين، وقاتلوا عليه قتالا شديدا حتى ظفروا بالمركب وما معه من الحراقات، فاستولوا عليها، فلما رأى الصليبيون ذلك سقط في أيديهم (٢). وأدركوا حينئذ مع صباح يوم ٢٧ جمادى الآخرة ٦١٨ هـ/ ١٨ آب ١٢٢١ م (٣)، أن جيش المسلمين قد تفوق عليهم، واكتمل تطويقهم، ولم يعد لديهم ما يكفيهم من المؤن إلا لأيام، وأن طريق الرجوع إلى دمياط قد قطعت بعدما تمكنت البحرية الإسلامية من إغراق سفنهم التي حاولت العودة أو الاستيلاء عليها (٤).
وتشاورت القيادة الصليبية فيما يجب عمله، وقد أحيط بهم (٥)، فلم يكن أمامهم إلا طريقان لا ثالث لهما: إما الاستسلام للمسلمين، ووقوعهم أسرى في أيديهم. وإما القيام بمحاولة يائسة للتراجع برا نحو دمياط، والتحصن بها (٦). واستقر رأيهم على التراجع، وهو عندهم أهون الشرين (٧).
ففي الصباح الباكر من يوم الخميس ٦ رجب ٦١٨ هـ/ ٢٦ آب ١٢٢١ م، بدأ جيش الصليبيين في التراجع (٨)، ولم يكن انسحابه منظما، إذ رفض كثير من الجنود أن يريقوا نبيذهم على الأرض، وآثروا أن يشربوه، فثملوا، وكانوا فاقدين لوعيهم حين صدرت إليهم الأوامر بالمسير. ثم إن
(١) الحملة الصليبية الخامسة (٣٣٠). (٢) مفرج الكروب (٤/ ٩٦)، والسلوك (ج ١/ ق ١/ ٢٤٣). (٣) الحملة الصليبية الخامسة (٣٢٨). (٤) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٢٩٨)، والحملة الصليبية الخامسة (٣٢٨). (٥) السلوك (ج ١/ ق ١/ ٢٤٤). (٦) مفرج الكروب (٤/ ٩٧). (٧) الحملة الصليبية الخامسة (٣٣٠). (٨) الحملة الصليبية الخامسة (٣٣١).