ولتنفيد خطته تلك ذهب إلى أخيه الأشرف موسى في حران، حائثا له على توحيد جهودهما، وما زال به حتى استجاب له، واجتمعت العساكر في حران، فسار بهم المعظم، وقطع الفرات، ونزل على حمص. وسار الأشرف على إثره، ونزل في سلمية.
ويخرج سبط ابن الجوزي من دمشق على نية الغزاة، ويجتمع بالمعظم على حمص في ربيع الآخر سنة ٦١٨ هـ/ حزيران ١٢٢١ م. ويبثه المعظم همومه، قائلا له: قد سحبت الأشرف إلى ها هنا بأسناني، وهو كاره، وأخاف من الفرنج أن يستولوا على مصر، وهو صديقك، فأشتهي تقوم تروح إليه، فقد سألني عنك مرارا. ثم كتب المعظم إلى الأشرف كتابا بخطه نحو ثمانين سطرا. فأخذ سبط ابن الجوزي الكتاب، ومضى به إلى سلمية.
ولندع سبط ابن الجوزي يصف لنا وقائع تلك السفارة، ولقاءه بالأشرف، وما كان منه، فيقول: وبلغ الأشرف وصولي، فخرج من الخيمة، والتقاني، وعاتبني على انقطاعي عنه، وجرى بيني وبينه فضول، وقلت له: المسلمون في ضائقة، وإذا أخذ الفرنج الديار المصرية ملكوا إلى حضرموت، وعفوا آثار مكة والمدينة والشام، وأنت تلعب! قم الساعة وارحل. فقال: ارموا الخيام والدهليز. وسبقته إلى حمص، والمعظم عينه إلى الطريق، فلما قيل له: وصل فلان. ركب والتقاني، وقال: ما نمت البارحة، ولا أكلت اليوم شيئا. فقلت: غدا يصبح أخوك على حمص. فلما كان من الغد أقبلت الأطلاب (١)، وجاء طلب الأشرف، والله ما رأيت أجمل منه ولا أحسن رجالا، ولا أكمل عدة. وسر المعظم سرورا عظيما، وجلسوا تلك الليلة يتشاورون، فاتفقوا على الدخول في السحر إلى طرابلس يشوشون على الفرنج، وكانوا على حال، فأنطق الله الأشرف على غير قصد، وقال للمعظم: يا خوند عوض ما ندخل الساحل، ونضعف خيلنا
(١) الأطلاب جمع، مفردها طلب: وهي من لغة الكرد، وتعني الكتيبة، قل عددها أو كثر، يقودها رئيس أعلى. ينظر: «تكملة المعاجم العربية» (٧/ ٦٣).