كان مبارز الدين سنقر يقيم في دار شبل الدولة الحسامي، القريب من التربة البدرية، وقد قدم من ماردين سنة ٦١٨ هـ/ ١٢٢١ م بعد أن وعده المعظم عيسى خديعة له بتوليته نابلس (١). وكان الأشرف موسى قد نقم عليه لميله للأفضل علي بن صلاح الدين (٢).
ووصل مبارز الدين إلى دمشق، ومعه جملة من المال والخيل المنسوبة العربية، والجمال والبغال، والسلاح والمماليك شيء كثير. وخرج المعظم للقائه، ونزل في دار شبل الدولة. ثم أعرض عنه المعظم، وراح يماطله بما وعده به حتى تفرق عنه أصحابه، وتبدد ماله. فصار يقضي أيامه مغموما مهموما.
فكان الأمير في ساعات غمه يزور جاره سبط ابن الجوزي (٣)، يبثه همه، ويحدثه أحيانا عن بعض أخبار السلطان صلاح الدين (٤)، وأولاده (٥). ويشكو له إعراض المعظم عنه، وكيف خدعه، وسبط ابن الجوزي يسليه ويهون عليه.
ودخل عليه مرة، وهو يقرأ في كتاب عن ملوك اليمن، فسأله المبارز: أيش تقرأ؟ فقال السبط: أخبار ملوك اليمن. فقال المبارز: اقرأ لي. فقرأ له: فلان الملك عاش ألف سنة، ومات بالغم، وفلان عاش مئة سنة ومات بالغم، فقال المبارز: وأنا أموت بالغم (٦).
* * *
وكان المعظم في تلك الأيام مغموما كذلك، ولكن لاستيلاء الصليبيين على دمياط، ويخشى من استيلائهم بعدها على مصر كلها، ولذا كان يفكر في دخول طرابلس، ومهاجمتهم في عقر دارهم، لتشتيت جهودهم عنها.