أن الفرنج تصبحهم، وامتلأت بهم الطرقات، فبعضهم إلى مصر، وبعضهم إلى الكرك، وبعضهم إلى دمشق. وكانت البنات المخدرات يمزقن ثيابهن، ويربطها على أرجلهن من الحفا. ومات خلق كثير من الجوع والعطش» (١).
ثم يعقب على ما جرى بقوله، مفصحا عن رأيه:«وكانت نوبة لم يكن في الإسلام مثلها .. وذم الناس المعظم، ولم يعذره أحد»(٢)
* * *
ولعل أشد ما أزعجه من المعظم ما فعله مع قاضي القضاة زكي الدين أبي العباس الطاهر بن محيي الدين ابن الزكي. فقد كان في قلبه منه حزازات يمنعه من إظهارها حياؤه من والده العادل، وخوفه من الشناعات. فكان يشكوه إلى سبط ابن الجوزي مرارا، ويقول له: إنه لا ينفذ الأحكام، ولا يقيم معالم الإسلام. فلما مات العادل وجد المعظم فرصة للنيل من هذا القاضي، فأمره (٣) يوم الأربعاء ٢٧ ربيع الأول سنة ٦١٦ هـ/ ١٢ حزيران ١٢١٩ م، وهو في مجلس الحكم في داره بباب البريد (٤)، أن يلبس القباء، وينزع عمامته ويضع الكلوتة على رأسه، وهو لباس والي الشرطة يومئذ، إشارة إلى أنه يفعل فعله، وهو زي شنيع في حق مثله. ففعل القاضي ما أمر به، ولزم بيته بعدها حزنا وكمدا، ثم ما لبث أن مرض مرضة رمى كبده منها قطعا، مات على إثرها (٥).
ويصرح سبط ابن الجوزي بما في هذه الفعلة في حق قاض من قبح، فيقول:«والقتل أهون مما جرى عليه .. وكانت حركة شنيعة وواقعة قبيحة لم يجر في الإسلام أقبح منها، وكانت من غلطات المعظم».