ويستحسن سبط ابن الجوزي موقف شيخه (٢) شرف الدين، بقوله:«ولم يتأثر شرف الدين، وأقام في بيته يتردد إليه للقراءة الصغير والكبير، ولا يغشى أحدا من خلق الله، مقتنعا باليسير»(٣).
ولا شك أن سبط ابن الجوزي كان في حيرة من أمر المعظم، كيف يغضب على رجل مثل شرف الدين على علمه وورعه، ويقرب إليه رجلا على النقيض منه، ففي ديوان إنشائه كان يخدم الشاعر المعروف محمد بن نصر بن عنين، وكان سبط ابن الجوزي يكرهه، ولا يرتاح إليه، ويعده من أكبر سيئات المعظم؛ لأن مجالسه كانت معمورة بقبائحه وهناته، ووصفه من بعد بقوله:«كان خبيث اللسان، هجاء، فاسقا، متهتكا»(٤).
* * *
ولم يعذر سبط ابن الجوزي صديقه المعظم في هدمه سور القدس. وكان المعظم عقب سقوط برج السلسلة بيد الصليبيين يوم الجمعة ٢٩ جمادى الأولى ٦١٥ هـ/ ٢٤ آب ١٢١٨ م (٥)، قد خافهم أن يستغلوا انشغال المسلمين بأمر دمياط لمهاجمة بيت المقدس، فقرر هدم سوره وأبراجه لعجزه عن الدفاع عنه. وكان القدس يومئذ على أتم حال من العمارة وكثرة السكان. فشرع في هدم السور - على ما ذكر سبط ابن الجوزي في أول يوم من المحرم سنة ٦١٦ هـ/ ١٩ آذار ١٢١٩ م، ويصور لنا ما حل بالقدس يومئذ، فيقول: «ووقع في البلد ضجة عظيمة مثل يوم القيامة، وخرج النساء المخدرات والبنات، والشيوخ والعجائز، والشبان والصبيان إلى الصخرة والأقصى، فقطعوا شعورهم، ومزقوا ثيابهم بحيث امتلأت الصخرة ومحراب الأقصى من الشعور، وخرجوا هاربين، وتركوا أموالهم وأثقالهم، وما شكوا
(١) مرآة الزمان (٢٢/ ٣١٦). (٢) ينظر: (ص ٧٢) من هذا الكتاب. (٣) مرآة الزمان (٣١٧ - ٣١٦/ ٢٢). (٤) مرآة الزمان (٢٢/ ٣٣٨). (٥) تاريخ الحروب الصليبية (٣/ ٢٧١)، والحملة الصليبية الخامسة (٢٠٣).