اتَّفَقَتْ عَلَى ذَلِكَ وَصَايَا الأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ، قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَونَ أَنَّهُ قَالَ: {يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ} [غَافِر: ٣٩]. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا! إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا». وَمِنْ وَصَايَا المَسِيحِ عَلَيهِ السَّلَامُ لِأَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: " اُعْبُرُوهَا وَلَا تَعْمُرُوهَا"، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ ذَا الَّذِي يَبْنِي عَلَى مَوجِ البَحْرِ دَارًا؟! تِلْكُمُ الدُّنْيَا، فَلَا تَتَّخِذُوهَا قَرَارًا". وَ " دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِي بَيتِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَينَ مَتَاعُكُمْ؟ قَالَ: إِنَّ لَنَا بَيتًا
نُوَجِّهُ إِلَيهِ، قَالَ: إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مَتَاعٍ مَا دُمْتَ هَاهُنَا، قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ المَنْزِلِ
لَا يَدَعُنَا فِيهِ" (١) " (٢).
- قَولُهُ: (بِمَنْكِبَيَّ): بِفَتْحِ المِيمِ وَكَسْرِ الكَافِ، وَهُوَ مَجْمَعُ العَضُدِ وَالكَتِفِ، وَيُرْوَى بِالإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ.
- التَّوجِيهُ النَّبَوِيُّ فِي الحَدِيثِ بِأَنْ يَكُونَ العَبْدُ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّهُ غَرِيبٌ هُوَ مِنْ أَوجُهٍ:
١ - أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَ آدَمُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ صَارَ هُوَ وَذُرِّيَتُهُ غُرَبَاءَ عَنْ وَطَنِهِم، وَلَكِنَّهُم عَائِدُونَ إِلَيهِ إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، فَالشَّاهِدُ مِنَ الحَدِيثِ إِذًا أَنْ يُهَيِّأَ المَرْءُ نَفْسَهُ لِلعَودَةِ إِلَى دَارِ خُلُودِهِ، وَيَاخُذَ بِأَسْبَابِهَا؛ لِذَلِكَ فَهُوَ غَرِيبٌ، وَلَا يَانَسُ الغَرِيبُ إِلَّا إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ.
٢ - أَنَّ الغَرِيبَ فِي غَيرِ بَلَدِهِ لَيسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي مُنَافَسَةِ أَهْلِ البَلَدِ فِي دَارِهِم
(١) أَخْرَجَهُ البَيهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ (١٠١٦٨).(٢) جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ (٢/ ٣٧٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute