وَمِمَّا جَاءَ فِي أَنَّ الأَصْلَ فِي الإِنْكَارِ عَلَى الوُلَاةِ هُوَ الإِسْرَارُ مَا ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَاخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُو بِهِ؛ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا قَدْ كَانَ أَدَّى الَّذِي عَلَيه» (١).
وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟! فَقَالَ: أَتُرَونَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ! وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَينِي وَبَينَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلَا أَقُولُ لأَحَدٍ -يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا-: إِنَّهُ خَيرُ النَّاسِ! بَعْدَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَامُرُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَر؟! فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ
المُنْكَر وَآتِيهِ» (٢).
قَالَ الشَّيخُ الفَاضِلُ عَبْدُ المُحْسِنِ العَبَّادِ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ -عِنْدَ حَدِيثِ «أَفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» (٣) -:
" وَهَذَا الحَدِيثُ لَا يُسْتفَادُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الكَلَامِ عَلَى أَخْطَاءِ الوُلَاةِ عَلَى المَنَابِرِ! لِأَنَّ هَذَا تَشْهِيرٌ وَإِيذَاءٌ، وَالإِنْسَانُ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُنْصَحَ عَلَى المَنَابِرِ، وَأَنْ
(١) صَحِيحٌ. كِتَابُ (السُّنَّةُ) لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (١٠٩٦) عَنْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ مَرْفُوعًا.وَفِي ظِلَالِ الجَنَّةِ (١٠٩٦): بَابُ «كَيفَ نَصِيحَةُ الرَّعِيَّةِ لِلوُلَاةِ».وَأَورَدَهُ أَيضًا الهَيثَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي المَجْمَعِ: بَابُ «النَّصِيحَةُ لِلأَئِمَّةِ وَكَيفِيَّتُهَا» (٥/ ٢٢٩).(٢) البُخَارِيُّ (٣٢٦٧)، وَمُسْلِمٌ (٢٩٨٩).(٣) صَحِيحٌ. أَبُو دَاودَ (٤٣٤٤) مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (١١٠٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute