- وَفِيهِ أَيضًا أَنَّهُ يَحْسُنُ صِيَاغَةُ الكَلَامِ بِمَا يَحْمِلُ عَلَى العَمَلِ بِهِ، وَالشَّاهِدُ لِهَذَا قَولُهُ: «لِأَخِيهِ»، لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي العَطْفَ وَالحَنَانَ وَالرِّقَةَ، وَنَظِيرُ هَذَا قَولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ القِصَاصِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيء} [البَقَرَة: ١٧٨].
- فِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازُ نَفْي الشَّيءِ لِانْتِفَاءِ كَمَالِه، لِقَولِهِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ»، وَكَقَولِهِ: «لَا يُؤْمِنُ مَنْ لَا يَأَمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (١)، وَكَقَولِهِ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢)، أَي: لَا صَلَاةَ كَامِلَةً.
- فَائِدَةٌ:
إِنَّ نَفْيَ الكَمَالِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِوَاجِبٍ فِيهِ، وَإمَّا لِمُسْتَحَبٍّ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي أَلْفَاظِ الشَّرِيعَةِ نَفْيٌ لِلإِيمَانِ بِانْتِفَاءِ كَمَالِهِ المُسْتَحَبِّ!
قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ: " فَمَنْ قَالَ: إنَّ المَنْفِيَّ هُوَ الكَمَالُ؛ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ الوَاجِبِ -الَّذِي يُذَمُّ تَارِكُهُ وَيَتَعَرَّضُ لِلْعُقُوبَةِ-؛ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ! فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ؛ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ الوَاجِبَ كَمَا وَجَبَ عَلَيهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ وَاجِبِهِ شَيئًا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: مَا فَعَلَهُ، -لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا-" (٣).
(١) البُخَارِيُّ (٦٠١٦)، وَمُسْلِمٌ (٤٦).(٢) مُسْلِمٌ (٥٦٠).(٣) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٧/ ١٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute