وَأَنَّهُم مُخَاطَبُونَ بِهَا، أَي: مُخَاطَبُونَ بِكُلِّ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ، وَتُقَاتَلُ الطَّوَائِفُ المُمْتَنِعَةُ عَنْهَا، كَمَا فِي قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ.
قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللهُ -لَمَّا سُئِلَ عَنْ قِتَالِ التَّتَارِ-: " كُلُّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنِ التِزَامِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ المُتَوَاتِرَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ القَومِ وَغَيرِهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَهُ -وَإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ نَاطِقِينَ بِالشَّهَادَتَينِ وَمُلْتَزِمِينَ بَعْضَ شَرَائِعِهِ-، كَمَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم مَانِعِي الزَّكَاةَ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ بَعْدَ سَابِقَةِ مُنَاظَرَةِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم عَلَى القِتَالِ عَلَى حُقُوقِ الإِسْلَامِ عَمَلًا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَشَرَةِ أَوجُهٍ الحَدِيثُ عَنِ الخَوَارِجِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيقَةِ، مَعَ قَولِهِ: "تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ" (١)! فَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاعْتِصَامِ بِالإِسْلَامِ مَعَ عَدَمِ التِزَامِ شَرَائِعِهِ لَيسَ بِمُسْقِطٍ لِلْقِتَالِ، فَالقِتَالُ وَاجِبٌ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَحَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ؛ فَمَتَى كَانَ الدِّينُ لِغَيرِ اللهِ فَالقِتَالُ وَاجِبٌ.
فَأَيُّمَا طَائِفَةٍ امْتَنَعَتْ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَاتِ أَوِ الصِّيَامِ أَوِ الحَجِّ أَو عَنِ التِزَامِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ وَالخَمْرِ وَالزِّنَا وَالمَيسِرِ أَو عَنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ المَحَارِمِ أَو عَنِ التِزَامِ جِهَادِ الكُفَّارِ أَو ضَرْبِ الجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الكِتَابِ وَغَيرِ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الدِّينِ وَمُحَرَّمَاتِهِ الَّتِي لَا عُذْرَ لِأَحَدِ فِي جُحُودِهَا وَتَرْكِهَا -الَّتِي يَكْفُرُ الجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا-؛ فَإِنَّ الطَّائِفَةَ المُمْتَنِعَةَ تُقَاتَلُ عَلَيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً بِهَا، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَينَ العُلَمَاءِ" (٢).
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٦١٠)، وَمُسْلِمٌ (١٠٦٤) مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا.(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (٢٨/ ٥٠٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute