خِلقةً وطَبعًا وبِنْيةً، وليس معه كفرٌ ولا إيمانٌ، ولا معرفة ولا إنكارٌ، ثم يعتقد الكفر أو الإيمان بعد البلوغ.
واحتجوا بقوله في الحديث: «كما تُنتَج البهيمةُ بهيمةً جمعاء (يعني: سالمةً)، هل تُحِسُّون فيها من جَدعاء (يعني: مقطوعة الأذن)؟» (١)، فمثَّل قلوب بني آدم بالبهائم، لأنَّها تولد كاملة الخلق لا يتبيَّن فيها نقصانٌ، ثم تُقطَع آذانها بعدُ وأنوفها، فيقال: هذه بحائر، وهذه سوائب. يقول: فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفرٌ حينئذ ولا إيمانٌ، ولا معرفة ولا إنكارٌ، كالبهائم السالمة (٢)، فلمَّا بلغوا استهوَتْهم الشياطين، فكفر أكثرُهم، وعصم الله أقلَّهم.
قالوا: ولو كان الأطفال قد فُطِروا على شيءٍ من الكفر أو الإيمان في أوَّليَّة أمرهم ما انتقلوا عنه أبدًا، وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون، ويكفرون ثم يؤمنون.
قالوا: ويستحيل أن يكون الطفل في حال ولادته يعقل كفرًا أو إيمانًا، لأنَّ الله أخرجه في حالٍ ما يفقهون (٣) فيها شيئًا، قال تعالى:{وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: ٧٨]، فمن لم يعلم شيئًا استحال منه كفرٌ أو إيمانٌ، أو معرفة أو إنكارٌ.
قال أبو عمر (٤): هذا القول أصحُّ ما قيل في معنى الفطرة التي يولد
(١) سبق مرارًا. (٢) في الأصل: «السائمة»، تصحيف. وقد سبق على الصواب آنفًا. (٣) كتب فوقه في الأصل: «يفقه»، وعليه المطبوع. (٤) في «التمهيد» (١٨/ ٧٠)، والنقل من «الدرء» (٨/ ٤٤٣).