ظالمين لكم، كما يقول القائل: أنا أقيم في هذا المكان ما شاء الله وما أقامني. ولم يُرِد بقوله:«ما أقرَّكم الله»: أنَّا نُقِرُّكم ما أباح الله ذلك بوحي، وإن كان أراد ذلك فهذا معنًى صحيح، وهذا لا يمكن من غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنه لم يُرِد إلا الإقرار المقضي كما قال:«ما شئنا».
وأيضًا فقد ثبت بالقرآن والتواترِ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نبذ إلى المشركين عهودهم بعد فتح مكة لمَّا حجَّ أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عام تسعٍ، فنبذ إلى المشركين عهودهم ذلك العام. ولذلك أردف أبا بكر بعلي - رضي الله عنهما - (١)، لأنَّ عادتَهم كانت أنَّه لا يعقد العقود ويحلُّها إلا المُطاع أو رجل من أهل بيته. وقد أنزلت في ذلك سورة براءة، فقال تعالى: {بَرَاءَةٌ مِّنَ اَللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى اَلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ اَلْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي اِلْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاَعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اِللَّهِ وَأَنَّ اَللَّهَ مُخْزِي اِلْكافِرِينَ (٢)} الآيات [التوبة: ١ - ٧]، فهو سبحانه أنزل البراءة إلى المشركين، وجعل لهم سياحة أربعة أشهرٍ وهي الحرم المذكورة في قوله:{فَإِذَا اَنسَلَخَ اَلْأَشْهُرُ اُلْحُرُمُ فَاَقْتُلُوا اُلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}[التوبة: ٥]. وليست هذه الحُرُم هي الحُرُم المذكورة في قوله:{إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِندَ اَللَّهِ اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اِللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة: ٣٦].
قال شيخنا (٢): ومن جعل هذه هي تلك فقوله خطأٌ، وذلك أن هذه قد
(١) كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (٣٦٩). (٢) لم أجده بهذا التمام. وقال في «منهاج السنة» (٨/ ٥١٤): «من قال ذلك فقد غَلِط غلطًا معروفًا عند أهل العلم كما هو مبسوط في موضعه».