وهو هذا العائب على أبي عبيد زعم أنَّ الفطرة التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ كلَّ مولودٍ يولد عليها= هي خلقه في كل مولودٍ معرفةً بربه - زعم - على معنى قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} الآية [الأعراف: ١٧٢](٢).
قال محمد بن نصر: قال الله تعالى: {وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: ٧٨]، فزعم هذا أنَّهم يعرفون أعظم الأشياء، وهو الله تعالى؛ فمَن أعظمُ جرمًا، وأشدُّ مخالفةً للكتاب ممن سمع الله عزَّ وجلَّ يقول:{وَاَللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}، فزعم أنَّهم يعلمون أعظم الأشياء، وهذا هو المُعانَدة (٣) لرب العالمين والجهل بالكتاب.
قلت: إن أراد أبو محمد بالمعرفةِ المعرفةَ الثابتةَ (٤) بالفعل (٥) التي هي
(١) في الأصل والمطبوع: «يصلح»، والمثبت مقتضى السياق. (٢) انظر: «إصلاح غلط أبي عبيد» (ص ٥٧ - ٥٩)، فالفطرة عند ابن قُتيبة ليست هي الإسلام، بل الإقرار «بأن له صانعًا ومدبِّرًا، ولو سمَّاه بغير اسمه، أو عبد شيئًا دونه ليقرِّبه منه ... ». (٣) في الأصل والمطبوع: «المعاند»، وأصلح صبحي الصالح السياق بتغيير: «الجهل» الآتي إلى «الجاهل». والمثبت موافق لما سيأتي قريبًا في تعقيب المؤلف على كلام محمد بن نصر. (٤) في المطبوع: «الثانية»، تصحيف. (٥) في هامش الأصل: «بالعقل»، خطأ.