أجلبُ منها بغالاً، فدخلتُ المسجد، فإذا صدعٌ من الرجال، وإذا رجلٌ جالسٌ، وتعرف إذا رأيته أنه من رجال الحجاز، قلت: من هذا؟ فتجهمني القوم، وقالوا: ما تعرفه؟ هذا حُذيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إني قد أرى الذي تُنكرون إني قلت: يا رسول الله، أرأيت هذا الخير الذي أعطاناه الله، أيكون بعده شرٌّ، كما كان قبله؟ قال:"نعم" قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال:"السيفُ" قلتُ: فهل للسيف من تقية؟ قال "نعم".
وفي رواية (١): بعد السيف: "تقية على أقذاءٍ، وهُدنةٌ على دخنٍ". قال: قلت: يا رسول الله، ثم ماذا؟ قال:"إن كان لله خليفةً في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك، فأطعه، وإلا فمُت وأنت عاضٌّ بجذل شجرةٍ": قلت: ثم ماذا؟ قال:"ثم يخرج الدجال، معه نهرٌ ونارٌ، فمن وقع في ناره، وجب أجره وحُط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره، وحُط أجره" قال: قلت: ثم ماذا؟ قال:"ثم هي قيامُ الساعة".
= (الصدع): [بسكون الدال، وربما حُرِّك): الخفيف من الرجال الدقيق. وقال الخطابي: هو من الرجال: الشاب المعتدل القناة. (تجهمت فلاناً): أي: كلحتُ في وجهه، وتقبضتُ عند لقائه. (فاحدقوه): يقال: أحدق به الناس، أي: أطافوا به، وأحدقوه بأبصارهم، أي: حققوا النظر إليه، وجعلوا أبصارهم محيطة به. (العصمة): ما يعتصم به، أي يستمسك. (١) أبو داود (٤/ ٩٦) نفس الكتاب والباب السابقين. (تقية): التقية والتقاة بمعنى، تقول: اتقى يتقي تُقاة وتقية. (أقذاء): جمع القذى، والقذاء جمع القذاة، وهو ما يقع في العين من الأذى، وفي الشراب والطعام من تراب أو تين. أو غير ذلك، والمراد به في الحديث: الفساد الذينيكون في القلوب، أي: إنهم يتقون بعضهم بعضاً ويظهرون الصلح والاتفاق، ولكن في باطنهم خلاف ذلك. (هدنة على دخن): الهدنة والدخن، قد ذكرا، وقد جاء في الحديث تفسير الدخن، قال: "لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه" وأصل الدَّخن: أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، ووجه الحديث: أن تكون القلوب كهذا اللون، لا يصفو بعضها لبعض. (جذل الشجرة): أصلها، وجذل كل شيء أصله.