٤٦ - {وَمِنْ آيَاتِهِ} سبحانه وتعالى؛ أي: ومن الدلائل الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته، وهو خبر مقدم لقوله:{أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ}؛ أي: إرساله سبحانه وتهييجه وتحريكه الرياح؛ أي: رياح الرحمة لمنفعة الخلق، وهي ريح الشمال والصبا والجنوب، فإنها رياح الرحمة، وأما الدبور، فإنها ريح العذاب، ومنه قوله عليه السلام:"اللهم اجعلها رياحًا، ولا تجعلها ريحًا". قال في "القاموس"(١): الشمال بالفتح ويكسر، ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات نعش، أو من طلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر، ولا تكاد تهب ليلًا، والجنوب: ريح تخالف الشمال، مهبه من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا، والصبا: ريح تهب من مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، ومقابلتها الدبور، والصبا: موصوفة بالطيب والروح، لانخفاضها عن برد الشمال، وارتفاعها عن حر الجنوب، وفي الحديث:"الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها".
وقرأ الجمهور:{الرِّيَاحَ} بالجمع، وقرأ (٢) ابن كثير، وحمزة، والكسائي، والأعمش:{الريح} بالإفراد على إرادة الجنس.
حالة كونها {مُبَشِّرَاتٍ}؛ أي: حالة كون تلك الرياح مبشرات للخلق بالمطر ونحوه، قوله:{وَلِيُذِيقَكُمْ} الله سبحانه {مِنْ رَحْمَتِهِ} ونعمته، معطوف على {مُبَشِّرَاتٍ} على المعنى، والمراد بالرحمة: المنافع التابعة لنزول المطر، كالخصب المتسبب عن المطر، والروح: الذي يحصل بهبوب الريح، وزكاء الأرض وتصفية الهواء من العفونة، فكأنه قال: ومن آياته: إرسال الرياح ليبشركم بها وليذيقكم من رحمته.