الله فيما أوحاه إلينا {أَنَّ الْعَذَابَ}؛ أي: أن عذابه الذي لا نفاد له، ولا انقطاع في الدنيا والآخرة {عَلَى مَنْ كَذَّبَ} بما ندعوا إليه من توحيده وطاعته، وإجابة رسله {وَتَوَلَّى}؛ أي: وأدبر معرضًا عما جئناه به من الحق.
وأصل الوحي (١): الإشارة السريعة، وذلك قد يكون بالكلام الخفي على لسان جبريل، وقد يكون بالإلهام، والمنام، والوحي إلى موسى بوساطة جبريل، وإلى هارون بوساطته ووساطة موسى، والمراد (٢) بالعذاب: الهلاك والدمار في الدنيا، والخلود في النار، والمراد بالتكذيب: التكذيب بآيات الله وبرسله، والتولي: الإعراض عن قبولها والإيمان بها.
فإن قلت: إن قوله: {أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} يقتضي قصر العذاب على المكذبين، مع أن غيرهم قد يعذبون على عصيانهم.
قلتُ: إن المراد بالعذاب هنا: العذاب الدائم، الذي لا ينقطع؛ لأن العذاب المتناهي كلا عذاب
٤٩ - {قَالَ} فرعون، بعدما أتياه وبلغا ما أمرا به:{فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}؛ أي: فمن إلهكما الذي أرسلكما، لم يقل فمن ربي مع قولهما:{إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} لغاية عتوه، ونهاية طغيانه، و (الفاء) في قوله: {فَمَنْ رَبُّكُمَا} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كنتما رسولي ربكما .. فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما إليَّ، و {من}: للاستفهام التعجبي.
قال الإِمام: أثبت نفسه ربًا في قوله: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} فذكر ذلك على سبيل التعجب، كأنه قال: أنا ربك، فلم تدعو ربا آخر يا موسى، وإنما خص موسى بالنداء، مع توجيه الخطاب إليهما، لما ظهر له أنه هو الأصل، وهارون وزيره، فأجاب موسى عن سؤاله.