هي، استغرابًا لها؛ أي: أنكرتموها، وقلتم {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا}؛ أي: ما نعلم ذلك إلا حدسًا وتوهمًا. وأصله (١): نظن ظنًا، فأدخل حرف النفي والاستثناء لاثبات الظن، ونفي ما عداه، كأنه قال: ما نحن إلا نظن ظنًا، أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغةً، ثم أكده بقوله:{وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}؛ أي: أنها كائنة.
فإن قلت (٢): إن قولهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} يدل على أنهم قاطعون بنفي البعث، وقولهم:{إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} يدل على أنهم شاكون في إمكانه ووقوعه، وبين الآيتين معارضة.
قلت: يجمع بينهما بأن المجرمين كانوا فرقتين في أمر البعث، فرقة جازمة بنفيه، وهم المذكورون في قوله:{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} وفرقة كانت تشك وتتحير فيه، وهم المذكورون في هذه الآية. اهـ. "زاده" بتصرف.
وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد (٣): {وإذا قيل أن وعد الله} بفتح الهمزة، وذلك على لغة سليم، والجمهور قرؤوا بكسرها، وقرأ الجمهور {والسَّاعَةُ} بالرفع على الابتداء، وقرأ حمزة بالنصب عطفًا على {وعد الله}، وهي مروية عن الأعمش وأبي عمرو وعيسى وأبي حيوة، والعبسي والمفضل.
والمعنى (٤): أي وإذا قيل لهؤلاء الكفار من طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين: إن وعد الله بالبعث والحساب، وبجميع الأمور المستقبلة في الآخرة حق ثابت، وواقع لا محالة، والقيامة لا شك في وقوعها فآمنوا بذلك، واعملوا لما ينجيكم من العذاب قلتم: لا نعرف ما القيامة إن نتوهم وقوعها توهمًا مرجوحا، أو ظنا لا يقين فيه ولا علم، وما نحن بمتحققين، ولا موقنين أن القيامة آتية؛ أي: كأنهم نفوا كل الظنون إلا الذي لا ثبوت علم فيه، وأكدوا هذا المعنى بقولهم:{وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}.
٣٣ - ثم بعد هذا التوبيخ والنقاش، ذكر الله تعالى ما يفاجؤون به من العذاب
(١) بيضاوي. (٢) زاده. (٣) البحر المحيط. (٤) التفسير المنير.