يُخَفَّفُ}؛ أي: لا يهوّن ولا يقلّل ولا يرفع، {عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}؛ أي: من {عذاب جهنم طرفة عين}، بل كلما خبت .. زيد استعارها، كما قال في آية أخرى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}، وهذه الآية هي مثل قوله تعالى:{لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}؛ وقوله:{عَنْهُمْ} نائب مناب الفاعل، و {مِنْ عَذَابِهَا} في موضع النصب، أو بالعكس، وإن كانت {مِن} زائدة يتعيّن له الرفع {كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الجزاء الفظيع، {نَجْزِي} في الآخرة، {كُلَّ كَفُورٍ}؛ أي: كل من هو مبالغ في الكفر، أو في الكفران، لا جزاء أخفّ وأدنى منه.
وقرأ الجمهور (١): {فَيَمُوتُوا} بالنصب جوابًا للنفي، وقرأ عيسى بن عمر والحسن:{فيموتون} بإثبات النون، قال أبو عثمان المازني: على العطف على {يقضى}، وقال ابن عطية: هي قراءة ضعيفة، ولا وجه لهذا التضعيف، بل هي كقوله:{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}؛ أي: فلا يعتذرون، قال ابن عطية: وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو: {ولا يخفف} بإسكان الفاء، شبّه المنفصل بالمتصل، كقوله: فاليوم أشرب غير مستحقب.
وقرأ الجمهور:{نَجْزِي كُلَّ} مبنيًا للفاعل، ونصب {كل} وقرأ أبو عمرو وأبو حاتم عن نافع بالياء مبنيًا للمفعول ورفع {كل}.
والمعنى (٢): أي والذين ستروا ما تدل عليه العقول من شموس الآيات وأنوار الدلالات , لهم نار جهنم، لا يحكم عليهم فيها بموت ثانٍ فيستريحوا من الآلام، ولا يخفّف عنهم العذاب فيها، بل كلّما خبت زيد سعيرها، ونحو الآية قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (٧٧)}، وقوله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥)}، وقوله:{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}، وقوله: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (٣٠)}.
ثم بيّن أن هذا جزاء كل كافر بنعمة ربه جاحد بوحدانيته، فقال:{كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}؛ أي: وهكذا نكافىء كل جاحد لآلاء الله منكر لرسله، فندخله نار جهنم بما قدّم في الدنيا من سيئات عمله.