أي: أيّ شيء، أو ما الغرض الذي {أَرادَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِهذا} المثل الخسيس الذي هو التمثيل بالأشياء الحقيرة من البعوضة والذباب. وفي كلمة {هذا} تحقير للمشار إليه، واسترذال له. {مَثَلًا}؛ أي: من جهة كونه مثلا من الأمثال، فهو تمييز ذات من اسم الإشارة؛ أي: أيّ فائدة وأيّ غرض في ضرب المثل بهذه الأشياء الخسيسة؟ فليس من الله، بل افتراء من محمّد.
قال في «الروح»(١): الأصل: ماذا أراد الله بهذا المثل؟ فلما حذف الألف واللام نصب على الحال؛ أي: ماذا أراد الله بهذا حال كونه ممثّلا به، أو على التمييز؛ أي: من جهة كونه مثلا.
والمعنى (٢): وأمّا الذين كفروا، وهم اليهود والمشركون، وكانوا يجادلون بعد أن استبانت الحجة، وحصحص الحقّ، ويقولون: ماذا أراد الله بهذه المثل الحقيرة التي فيها الذباب والعنكبوت، ولو أنصفوا لعرفوا وجه الحكمة في ذلك، وما أعرضوا، وانصرفوا {وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}.
فأجابهم الله تعالى، ردّا عليهم بقوله:{يُضِلُّ بِهِ}؛ أي: يخذل بهذا المثل والإضلال: هو الصرف عن الحقّ إلى الباطل، وإسناد الإضلال؛ أي: خلق الضلال إليه سبحانه، مبنيّ على أنّ جميع الأشياء مخلوقة له تعالى، وإن كانت أفعال العباد مستندة إليهم من حيث الكسب؛ أي: أراد الله بهذا المثل أن يضلّ به {كَثِيرًا} من أهل الكفر والنفاق؛ وذلك. لأنّهم ينكرونه، ويكذّبونه، فيزيدون بإنكاره ضلالا على ضلالهم الأول. {وَيَهْدِي بِهِ}؛ أي: بهذا المثل {كَثِيرًا} من أهل الإيمان والإخلاص؛ لأنّهم يعرفون، ويصدّقون به، فيزيدون به إيمانا على إيمانهم. يعني:(٣) يضلّ به من علم منهم أنّه يختار الضلالة، ويهدي به من علم أنّه يختار الهدى.